حياته، ثمَّ إنَّه لعن ـ وهو في السياق ـ مَن فَعَلَ ذلك مِن أهل الكتاب ليحذر أمته أن يفعلوا ذلك، والأحاديث والآثار المروية في هذا الباب كثيرةٌ جدًّا.
والنبيُّ صلى الله عليه وسلم إنَّما نهى أمته عن اتخاذ القبور مساجد بتحري الدعاء أو العبادة عندها سَدًّا لذريعة الشرك، ولأنَّه مظنَّةُ اتخاذها أوثاناً، قال الإمام الشافعي رحمه الله:" وأكره أن يُعظَّم مخلوق حتى يُجعل قبرُه مسجداً مخافة الفتنة عليه وعلى مَن بعده من الناس ".
وقد ذكر هذا المعنى غيرُ واحد من أهل العلم، وأما مَن علَّل ذلك بأنَّها مظنَّةُ النجاسة لما يختلطُ بالتراب مِن صديد الموتى فقد أبعدَ غايةَ البُعد؛ لأنَّ نجاسةَ الأرض مانعٌ من الصلاة عليها، سواء كانت مقبرةً أو لَم تكن، ولأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قد نبَّه على العلَّة بقوله:" اللَّهمَّ لا تَجعل قبري وثناً يُعبد "، وبقوله:" إنَّ مَن كان قبلكم كانوا يتخذون القبورَ مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإنِّي أنهاكم عن ذلك ".
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: " وبالجملة فمَن له معرفة بالشرك وأسبابه وذرائعه، وفَهِم عن الرسول صلى الله عليه وسلم مقاصدَه جزم جزماً لا يحتمل النقيض أنَّ هذه المبالغة منه باللَّعن والنهي بصيغتيه: صيغة (لا تفعلوا) وصيغة (إنِّي أنهاكم) ليس لأجل النجاسة، بل هو لأجل نجاسة الشرك اللاحقة بِمَن عصاه وارتكب ما عنه نهاه، واتبع هواه، ولم يخش ربَّه ومولاه، وقلَّ نصيبُه أو عدم في تحقيق شهادة لا إله إلاَّ الله، فإنَّ هذا وأمثالَه من النبي صلى الله عليه وسلم صيانةٌ لحِمى التوحيد أن يلحقه الشركُ ويغشاه وتجريدٌ له، وغضبٌ لربِّه أن يُعدل به سواه، فأبى المشركون إلاَّ معصيةً