للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأمرِه وارتكاباً لنهيه، وغرَّهم الشيطانُ فقال: بل هذا تعظيمٌ لقبور المشايخ والصالحين، وكلما كنتم أشدَّ لها تعظيماً وأشدَّ فيهم غُلوًّا كنتم بقربهم أسعدَ ومِن أعدائهم أبعدَ، ولعمر الله مِن هذا الباب بعينه دخل على عُبَّاد يغوث ويعوق ونسر، ومنه دخل على عُبَّاد الأصنام منذ كانوا إلى يوم القيامة، فجمع المشركون بين الغلوِّ فيهم والطعن في طريقتهم، وهدى اللهُ أهلَ التوحيد لسلوك طريقتهم وإنزالهم منازلَهم التي أنزلهم الله إيَّاها من العبودية وسلب خصائص الإلهية عنهم، وهذا غاية تعظيمهم وطاعتهم "١.

وبما تقدَّم يتبيَّن أنَّ أصلَ الشرك في الأولين والآخرين إلى قيام الساعةِ الغلوُّ في الصالحين، والله عزَّ وجلَّ إنَّما أمرنا بمحبَّتهم وإنزالهم منازلَهم من العبودية وسلبِ خصائص الإلهية عنهم، وهذا غايةُ التعظيمِ لهم وطاعتِهِم واتباعِ سبيلهم، ونهانا عن الغلوِّ فيهم فلا نرفعهم فوق منازلهم ولا نحطُّهم منها؛ لما يعلمه تعالى في ذلك من الفساد العظيم، فما وقع الشركُ إلاَّ بسبب الغلوِّ فيهم، فتجد الغالين فيهم عاكفين على قبورهم يدعونهم ويسألونهم وينذرون لهم، وفي الوقت نفسه هم معرِضون عن طريقتهم وسبيلهم، بل عائبين لها ومشتغلين بقبورهم عمَّا أُمروا به ودُعوا إليه، وتعظيمُ الأنبياء والصالحين إنَّما يكون باتِّباع ما دُعوا إليه من العلم النافع والعمل الصالح، واقتفاء آثارهم وسلوك طريقتهم دون عبادتهم وعبادة قبورهم.


١ إغاثة اللَّهفان (١/٢٠٨ ـ ٢٠٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>