فحصول الغرض ببعض الأمور لا يستلزم إباحته، وإن كان الغرض مباحاً، فإنَّ ذلك الفعل قد يكون فيه مفسدة راجحة على مصلحته، والشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وإلاَّ فجميع المحرَّمات من الشرك والخمر والميسر والفواحش والظلم قد يحصل لصاحبه به منافع ومقاصد، لكن لمَّا كانت مفاسدُها راجحةً على مصالحها نهى الله ورسوله عنها كما أنَّ كثيراً من الأمور كالعبادات والجهاد وإنفاق الأموال قد تكون مضرَّةً، لكن لَمَّا كانت مصلحتُه راجحةً على مفسدتِه أمر به الشارع، فهذا أصل يجب اعتبارُه "١.
ثمَّ إنَّ تلك التأثيرات قد تكون من الشيطان فإنَّه قد يتراءى لبعض هؤلاء في صورة من يعظِّمُه أو يعتقد فيه أو ينتسب إليه، وقد يخاطبُ هؤلاء أو يقضي بعض حوائجهم بإذن الله فيكونُ فتنةً لهم ويُظنُّ أنَّ ذلك كرامةٌ لهؤلاء المدعوِّين، وما هو في الحقيقة إلاَّ فتنة، ولا يعلم هؤلاء أنَّ هذا من جنس ما تفعله الشياطين بعُبَّاد الأوثان حيث تتراءى أحياناً لِمَن يعبدها وتخاطبُهم ببعض الأمور الغائبة وتقضي لهم بعض طلباتهم فكان ذلك أعظمَ أسباب عبادة الأوثان والتعلُّقِ بها.
والحاصلُ أنَّ مثلَ تلك الحكايات لا يستقيمُ الاحتجاجُ بها ولا يصح الاعتمادُ عليها، ولا يُبنى دينُ الله على شيءٍ منها وإنَّما يُبنى على ما جاء في الكتاب والسنة لا على الظنون والتخرُّصات والقَصص والحكايات والتجارب والمنامات، أعاذنا الله من الزَّلَلِ ووفّقنا لصائبِ القول وصحيحِ العمل.