وإذا أقرَّ العبدُ بذلك يصير لقلبه صَمَدٌ يتجه إليه مناجياً له، مُطرقاً واقفاً بين يديه وقوف العبد الذليل بين يدي الملك العزيز، فيشعرُ بأنَّ كلامَه وعملَه صاعدٌ إليه معروضٌ عليه، فيستحيي أن يصعد إليه من كلامه ما يُخزيه ويفضحه هناك، ويجتهد في قول الخير وفعل الخير لعلمِه بأنَّه سبحانه {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} ١.
ولهذا فإنَّه لا يُنكر علوَّ الله على خلقه إلاَّ ضُلال الناس وجهالهم مِمَّن تحوَّلت فطرُهم وانحرفت عقائدُهم وصدَّهم الشيطانُ عن سواء السبيل، وإلاَّ فكيف يصح من عاقل إنكارُ علوِّ الله مع كثرة الشواهد على ذلك وتنوُّعِ البراهين، مِن ذلك كما تقدَّم أنَّ المؤمنين جميعَهم عندما يدعون الله يرفعون أيديهم إلى الله ويمدُّونها نحوَه، وهذا إجماع منهم على علوِّ الله على خلقه.
قال أبو الحسن الأشعري:" ورأينا المسلمين جميعاً يرفعون أيديهم إذا دعوا نحوَ العرش كما لا يحطُّونها إذا دعوا نحو الأرض ".
وهذا الاحتجاجُ منه رحمه الله احتجاجٌ بإجماع المسلمين على رفع أيديهم في الدعاء على أنَّ الله فوق سمواته عالٍ على خلقه؛ لأنَّهم إنَّما يرفعون إليه نفسه لا إلى غيره.
ولهذا فإنَّ غالبَ النفاة لأَن يكون الله فوق العرش فيهم من الانحلال عن دعاء الله ومسألته وعبادته بقدر ما قام في قلوبهم من إنكارٍ لعلوِّ الله