للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصحابه ويستدعيه منهم، كما في الصحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال لي النبيُّ صلى الله عليه وسلم: " اقرأ عليَّ القرآن، قلتُ: أقرأه عليك وعليك أُنزل، فقال: إنِّي أحِبُّ أن أسمعه من غيري، فقرأتُ عليه سورة النساء حتى بلغت: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيدًا} ١ قال: حسبُك، فنظرتُ فإذا عيناه تذرفان "٢.

فهذا هو سماعُ أهل الإيمان الذي مَن سمعه وآمن به واتبعه اهتدى وأفلح، ومَن أعرض عنه شقيَ وضلَّ، ثمَّ إنَّ له من الآثار الإيمانية والمعارف القدسية والأحوال الزكية والنتائج المحمودة في الدنيا والآخرة ما لا يُعدُّ ولا يُحصى.

وأمَّا سماعُ المكاء والتصدية، وهو التصفيقُ بالأيدي والصفيرُ ونحوُه، فهذا هو سماع المشركين الذي ذكره الله تعالى في قوله: {وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ البَيْتِ إِلاَّ مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} ٣، فأخبر عنهم أنَّهم كانوا يتَّخذون التصفيقَ باليد، والتصويت بالفم قُربةً وديناً، ولم يكن النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابُه يجتمعون على مثل هذا السماع ولا حضروه، ولم يكن في القرون الثلاثة المفضلة من أهل الدِّين والصلاح والعبادة مَن يَجتمع على مثل هذا المكاء والتصدية، لا بدُفٍّ ولا بكفٍّ ولا بقضيبٍ، وإنَّما أُحدث هذا بعد ذلك في أواخر المائة الثانية، فلمَّا رآه الأئمةُ


١ سورة النساء، الآية: (٤١) .
٢ صحيح البخاري (رقم:٤٥٨٢) ، وصحيح مسلم (رقم:٨٠٠) .
٣ سورة الأنفال، الآية: (٣٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>