قال ابن كثير رحمه الله:" يُخبر تعالى عن حلمِه ولُطفِه بعباده أنَّه لا يستجيب لهم إذا دعوا على أنفسهم أو لأموالهم أو أولادهم في حال ضجرهم وغضبهم، وأنَّه يعلم منهم عدمَ القصد إلى إرادة ذلك، فلهذا لا يستجيب لهم والحالة هذه لطفاً ورحمة، كما يستجيب لهم إذا دعوا لأنفسهم أو أموالهم وأولادهم بالخير والبركة والنماء، ولهذا قال:{وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} ، أي: لو استجاب لهم كلَّما دعوه به في ذلك لأهلَكهم، ولكن لا ينبغي الإكثار من ذلك "١.
فالواجب على المسلم أن يحذرَ تمام الحَذَر ولا سيما حال غضبه وتضجره من أن يدعو على نفسه أو ماله أو ولده باللعنة أو العذاب أو النار أو نحو ذلك مما لا يسرُّه تحقُّقُه، وذلك أنَّ مقصودَ الدعاء جلبُ النفع ودفعُ الضرِّ، وأما الدعاءُ على النفس أو المال أو الولد فليس فيه أيُّ منفعة، بل هو ضررٌ محضٌ ووبالٌ وهلاكٌ.
روى مسلم في صحيحه عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه في حديث طويل عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: " سِرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بَطْن بُواطٍ، وهو يطلب المَجْدِيَّ بنَ عمرو الجُهنيَّ، وكان الناضحُ [وهو البعير الذي يُستقى عليه] يعقُبُه منَّا الخمسةُ والستةُ والسبعةُ، فدارت عُقبةُ رجل من الأنصار على ناضحٍ له [أي جاءت نوبتُه في الركوب] ، فأناخه فركبه ثمَّ بعثه، فتَلَدَّن عليه بعض