للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحالة الثانية: أن يقول ذلك وهو مقلعٌ بقلبه وعزمه ونيَّته عن المعصية، وجمهور أهل العلم على جواز قول التائب: أتوب إلى الله، وعلى جواز أن يُعاهد العبدُ ربَّه على أن لا يعود إلى المعصية أبداً، فإنَّ العزمَ على ذلك واجبٌ عليه، فهو مخبرٌ بما عزم عليه في الحال، وقد تقدَّم أنَّ من شروط قبول التوبة العزمَ من العبد على عدم العودةِ إلى الذنب، فإن صحَّ منه العزمُ على ذلك قُبلت توبتُه، فإن عاد إلى الذنب مرَّة ثانية احتاج إلى توبةٍ أخرى ليغفر له ذنبه، ولهذا فإنَّ العبدَ ما دام كذلك كلَّما أذنب تاب وكلَّما أخطأ استغفر فهو حريٌّ بالمغفرة وإن تكرَّر الذنب والتوبة.

روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربِّه عزَّ وجلَّ: قال: " أذنب عبدٌ ذنباً، فقال: اللَّهمَّ اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنباً فعلم أنَّ له ربًّا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثمَّ عاد فأذنب، فقال: أي ربِّ اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنباً فعلِمَ أنَّ له ربًّا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثمَّ عاد فأذنب، فقال: أي ربِّ اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنباً فعلِمَ أنَّ له ربًّا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئتَ فقد غفرتُ لك "١. أي: ما دُمتَ تائباً أوَّاهاً منيباً.

فهذه توبةٌ مقبولةٌ وإن تكرَّر الذنبُ، فإنَّه كلَّما كرَّر العبدُ التوبةَ مستوفياً شروطها قُبلت منه، أما الاستغفار بدون توبة فلا يستلزم


١ صحيح البخاري (رقم:٧٥٠٧) ، وصحيح مسلم (رقم:٢٧٥٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>