للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولعِظَم هذا الأمر وجَلالة شأنه أكَّدَه بقوله "وحده لا شريك له"، فقوله "وحده" فيه تأكيد للإثبات، وقوله: "لا شريك له" فيه تأكيد للنفي، وهذا تأكيد من بعد تأكيد اهتماماً بمقام التوحيد وتعليةً لشأنه.

ولَمَّا أَقَرَّ لله بالوحدانية أَتْبَعَ ذلك بالإقرار له بالملك والحمد والقُدرة على كلِّ شيء، فقال: "له الملك، وله الحمد، وهو على كلِّ شيء قدير" فالمُلكُ كلُّه لله، وبيده سبحانه ملكوت كلِّ شيء، والحمد كلُّه له ملكاً واستحقاقاً، وهو سبحانه على كلِّ شيء قدير، فلا يخرج عن قدرته شيءٌ {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً} ١.

وفي الإتيان بهذه الجملة المتقدِّمة بين يَدي الدعاء فائدةٌ عظيمة، فهو أبلغُ في الدعاء، وأرجى للإجابة، ثمَّ بدأ بعد ذلك بذكر مسألته وحاجاته، فقال: "ربِّ أسألك خير هذه الليلة وخير ما بعدها" أي: أسألك خير ما أردتَ وقوعه في هذه الليلة للصالحين من عبادك من الكمالات الظاهرة والباطنة، ومن المنافع الدينية والدنيوية، "وخير ما بعدها" أي: ما بعدها من اللَّيالي.

"وأعوذ بك من شرِّ ما في هذه الليلة وشرِّ ما بعدها" أي: وأعتَصِمُ بك وألتجئُ إليك من شرِّ ما أردتَ وقوعه فيها من شرور ظاهرة أو باطنة.

وقوله: "ربِّ أعوذ بك من الكَسَل وسوء الكبر"، والمراد بالكسل عدم انبعاث النفس للخير مع ظهور القدرة عليه، ومَن كان كذلك فإنَّه لا يكون معذوراً، بخلاف العاجز، فإنَّه معذورٌ لعدم قدرته، والمرادُ بسوء الكِبَر، أي: ما يورثه كبرُ السن من ذهاب العقل، واختلاطِ الرأي، وغير ذلك مِمَّا يسوء به الحال.


١ سورة: فاطر الآية (٤٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>