للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله في الحديث: "وإليك النشور" أي المَرجِع يوم القيامة، ببَعْثِ النَّاس من قبورهم، وإحيائهم بعد إماتَتِهم.

وقوله: "وإليك المصير" أي المرْجِعُ والمآب، كما قال تعالى: {إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى} ١.

وقد جعل صلى الله عليه وسلم قوله "وإليك النشور" في الصباح، وقوله: "وإليك المصير" في المساء رعايةً للتَّناسب والتشاكل؛ لأنَّ الإصباحَ يُشبه النشرَ بعد الموت، والنوم موتةٌ صغرى، والقيامَ منه يشبه النشرَ من بعد الموت، قال تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} ٢.

والإمساءَ يُشبه الموتَ بعد الحياة؛ لأنَّ الإنسانَ يصير فيه إلى النَّوم الذي يشبه الموت والوفاة. فكانت بذلك خاتمةُ كلِّ ذِكرٍ متجانسةً غايةَ المجانسة مع المعنى الذي ذكر فيه.

ومِمَّا يُوَضِّح هذا ما ثبت عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه كان يقول عند قيامه من النوم: "الحمدُ لله الَّذي أَحْيَانا بعد ما أمَاتَنَا وإليه النُّشور"، فسُمِّيَ النوم موتاً والقيامُ منه حياةً من بعد الموت، وسيأتي الكلامُ على هذا الحديث وبيانُ معناه عند الكلام على أذكار النوم والانتباه منه إن شاء الله.

ومِن أذكار الصباح والمساء ذلكمُ الذِّكرُ العظيمُ، والدعاءُ النافع الذي علَّمه النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق رضي الله عنه عندما سأله أن يُرْشدَه إلى كلمات


١ سورة: العلق، الآية (٨) .
٢ سورة: الزمر، الآية (٤٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>