واحتياجَه إلى ربِّه، معترفاً فيه بجلاله وعَظَمته، مُثبتاً لصفاته العظيمة ونعوته الكريمة، ثمَّ ذكر بعد ذلك حاجتَه وسؤالَه، وهو أن يُعيذَه اللهُ من الشرور كلِّها فقال:"أعوذ بك من شَرِّ نفسي وشَرِّ الشيطان وشِرْكِه، وأن أقْتَرفَ على نفسي سوءاً أو أجُرَّه إلى مسلم" وفي هذا جمعٌ بين التعوُّذ بالله من أصول الشَّرِّ ومنابعه، ومن نهاياته ونتائجه، يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ في التعليق على هذا الحديث:"فذَكَرَ ـ أي النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ـ مَصْدَرَي الشَّرِّ وهما النفسُ والشيطان، وذَكَر مَوْرِدَيْه ونِهَايَتَيْه وهما عَوْدُه على النفس أو على أخيه المسلم، فجمع الحديثُ مصادرَ الشَّرِّ ومَوارِدَه في أوجز لفظه وأخصره وأجمعه وأبينه"١. فالحديثُ فيه تعوذ بالله عز وجل من أربعة أمور تتعلق بالشر:
الأول: شَرُّ النفس، وشَرُّ النفس يُولِّد الأعمالَ السيِّئَةَ والذُّنوبَ والآثامَ.
والثاني: شَرُّ الشيطان، وعداوةُ الشيطان للإنسان مَعلومةٌ بتحريكه لفِعل المعاصي والذُّنوب وتَهيِيجِ الباطل في نفسه وقَلْبِه.
وقوله:"وشِرْكه" أي ما يدعو إليه من الشِّرك، ويُروَى بفتح الشين والراء "وشَرَكه" أي: حبائلُه.
والثالث: اقترافُ الإنسان السوءَ على نفسه، وهذه نتيجةٌ من نتائج الشَّرِّ عائدةٌ إلى نفس الإنسان.
والرابع: جرُّ السُّوء على المسلمين، وهذه نتيجةٌ أخرى من نتائج الشَّرِّ عائدةٌ إلى الآخرين.
وقد جمع الحديثُ التعوذَ بالله من ذلك كلِّه، فما أجْمَعَه من حديث، وما أعظمَ دِلالته، وما أكملَ إحاطته بالتَّخَلُّص من الشَّرِّ كلِّه.