للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: "أنت آخذٌ بناصيتها" فيه دلالةٌ على أنَّ المخلوقات كلَّها داخلةٌ تحت قهره وسلطانه، فهو سبحانه آخذٌ بنواصيها، قادرٌ عليها، يتصرَّف فيها كيف يشاء ويحكم فيها بما يريد.

قال اللهُ تعالى فيما ذكره عن هود عليه السلام: {إِِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} ١.

والنَّاصيةُ مقدَّم الرأس.

ثمَّ قال متوسِّلاً إلى الله سبحانه ببعض أسمائه الحسنى وصفاته العظيمة "اللَّهُمَّ أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ البَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ"، وفي هذا دلالةٌ على أوَّليَّةِ الله سبحانه وأنَّه قبل كلِّ شيء، وأبديَّتِه سبحانه وبقائِه بعد كلّ شيء، وعلوِّه على خلقه واستوائِه على عرشه وفوقيَّتِه وأنَّه الظاهرُ الذي لا شيء فوقَه، وقُربِه سبحانه من خلقه وإحاطتِه بهم وأنَّه جلَّ وعلاَ الباطنُ الذي لا شيءَ دونه. ومدارُ هذه الأسماء الأربعة على بيان إحاطة الربِّ سبحانه، وهي إحاطتان: زمانية ومكانية؛ أمَّا الزمانية فقد دلَّ عليها اسمُه الأوّل والآخر، وأمَّا المكانيّة فقد دلَّ عليها اسمُه الظّاهر والباطن. هذا مقتضى تفسير النَّبِيِّ صلى اله عليه وسلم، ولا تفسير أكمل من تفسيره.

وقوله: "اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ، وَأَغْنِنَا مِنَ الفَقْرِ" هو سؤال الله تبارك وتعالى وطلب منه سبحانه بعد تلك التوسُّلات.

وقوله: "اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ"، أي: أَدِّ عنَّا حقوق الله وحقوق العباد من


١ سورة: هود، الآية (٥٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>