وقوله في هذا الدعاء:"وَمُنْزِلَ التَّوْرِاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالفُرْقَانِ" فيه توسُّلٌ إلى الله عزَّ وجلَّ بإنزاله لهذه الكتب العظيمة المشتملة على هداية الناسِ وفلاحهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة، وقد خصَّ هذه الكتبَ الثلاثة؛ لأنَّها أعظمُ كتب أنزلها الله، وذكرها مرتّبةً ترتيباً زمنياًّ، فذكر أوَّلاً التوراةَ التي أُنزلت على موسى عليه السّلام، ثمَّ الإنجيل الذي أُنزل على عيسى عليه السّلام، ثمَّ الفرقان ـ وهو القرآن الكريم ـ الذي أُنزل على محمَّد صلى الله عليه وسلم.
وفي هذا دلالةٌ على أنَّ هذه الكتب من كلام الله، وأنَّها منزَّلةٌ من عنده سبحانه، وأنَّها غيرُ مخلوقة، ولهذا فرَّق في هذا الدعاء بينها؛ ففي المخلوقاتِ قال:"ربَّ" و "فالقَ"، وفي كلامه ووحيِه قال:"منْزل"، وفي هذا ردٌّ على أهل البدع والأهواء الذين يقولون إنَّ كلامَ الله مخلوق، تعالى اللهُ عمَّا يقولون، وسبحان الله عمَّا يصفون.
ثمَّ قال بعد ذكره لهذه الوسائل العظيمة:"أعوذ بك مِن شرِّ كلِّ دابَّةٍ أنت آخذٌ بناصيتها" وهذا شروعٌ في ذكر رغبة الإنسان وحاجته ومطلوبه من ربِّه سبحانه، وقوله:"أعوذ بك" أي: ألتجئُ وأعتصمُ بك وأحتمي بجنابك "من شرِّ كلِّ دابَّةٍ أنت آخذٌ بناصيتها" والدابَّة هي كلُّ ما يدبُّ على الأرض، وهو يشمل الذي يمشي على بطنه، أو على رجلين أو على أربع، قال الله تعالى:{وََاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ١.