فَرَفْعُ الطرفِ إلى السماءِ فيه إيمانٌ بعلوِّ الله، كما أنَّ رَفعَ الأيدي إلى السماء فيه إيمانٌ بعلوِّ الله عزَّ وجلَّ، قال حافظُ المغرب أبو عمر بن عبد البر في كتابه التمهيد وهو بصدد ذكره الأدلَّةَ على علوِّ الله:"ومن الحُجَّةِ أيضاً في أنَّه عزَّ وجلَّ على العرش فوق السموات السبع أنَّ الموحِّدين أجمعين من العرب والعجم إذا كربهم أمرٌ أو نزلت بهم شِدَّةٌ رفعوا وجوهَهم إلى السماء يستغيثون ربَّهم تبارك وتعالى، وهذا أشهر وأعرفُ عند الخاصَّة والعامة من أن يُحتاج فيه إلى أكثر من حكايتِه؛ لأنَّه اضطرارٌ لَم يُؤنبهم عليه أحدٌ ولا أنكره عليهم مسلم"١ اهـ. كلامه رحمه الله.
والأدلةُ على علوِّ الله على خلقه كثيرةٌ لا تُحصَى، وقد دلَّ على علوِّ الله الكتابُ والسُّنَّةُ والإجماع والفطرةُ والعقولُ، ولا مجال هنا لبسط هذه الأدلَّة. وفي رفع الطرف إلى السماء دلالةٌ على أهميّة استشعار مراقبة الله تعالى وأنَّه سبحانه مطَّلعٌ على عباده، عليمٌ بهم لا تخفى عليه منهم خافية، وأنَّ أزمّة الأمور بيده، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.
وقوله صلى الله عليه وسلم في هذا الدعاء:"اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ ... " إلى آخره الاستعاذة سبق بيانُ معناها وأنَّها اعتصامٌ بالله عزَّ وجلَّ والتجاءٌ إليه سبحانه، وفي هذا الدعاء التجاءٌ إلى الله عزَّ وجلَّ بأن يَحميَ العبدَ من أن يقع في شيء من هذه الأمور المذكورة، وهي أنْ يَضِلَّ أَوْ يُضَلَّ، أَوْ يَزِلَّ أَوْ يُزَلَّ، أَوْ يَظْلِمَ أَوْ يُظْلَمَ، أَوْ يَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عليه.
ومن المعلوم أنَّ مَن يخرجُ من بيته لا بدَّ له في خروجه من مخالطةِ الناس ومعاشرتِهم، والنّاصِحُ لنفسه يخاف أن يبتلى بسبب هذه المخالطة والمعاشرة