للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

علم ما قُسم لهم في الغيب، وهذا ضلالٌ وسَفَهٌ كان عليه أهل الجاهلية، وأمَّا أمَّةُ الإسلام فقد هداهم الله تعالى إلى مَراشد الأمور ومفاتيح الخير وسُبل السعادة في الدنيا والآخرة، ومن ذلكم هذا الدعاء العظيم الذي هُديت إليه أمة الإسلام.

قال ابن القيم رحمه الله: "وعوَّضَهم بهذا الدعاء الذي هو توحيد وافتقارٌ وعبوديةٌ وتوكلٌّ، وسؤال لمن بيده الخيرُ كلُّه، الذي لا يأتي بالحسنات إلاَّ هو، ولا يصرف السيِّئات إلاَّ هو، الذي إذا فتح لعبده رحمة لَم يستطع أحدٌ حبسَها عنه، وإذا أمسكها لَم يستطع أحد إرسالَها إليه من التطير والتنجيم واختيار الطالع ونحوه، فهذا الدعاءُ هو الطالع الميمون السعيد، طالعُ أهل السعادة والتوفيق، الذين سبقت لهم من الله الحسنى، لا طالع أهل الشرك والشقاء والخذلان الذين يجعلون مع الله إلَهاً آخر فسوف يعلمون.

فتضمَّن هذا الدعاءُ الإقرارَ بوجوده سبحانه، والإقرارَ بصفات كماله من كمال العلم والقدرة والإرادة، والإقرارَ بربوبيته، وتفويضَ الأمر إليه، والاستعانةَ به، والتوكُّلَ عليه، والخروجَ من عهدة نفسه والتَّبَرِّي من الحول والقوة إلاَّ به، واعترافَ العبد بعجزه عن علمه بمصلحة نفسه وقدرته عليها، وإرادته لها، وأنَّ ذلك كلَّه بيد وليِّه وفاطره وإلَهه الحقِّ ... إلى أن قال: والمقصود أنَّ الاستخارةَ توكلٌ على الله وتفويضٌ إليه واستقسامٌ بقُدرته وعلمه وحسن اختياره لعبده، وهي من لوازم الرِّضَى به ربًّا، الذي لا يذوق طَعم الإيمان من لَم يكن كذلك، وإن رَضِيَ بالمقدور بعدها فذلك علامة السعادة"١ اهـ.


١ زاد المعاد لابن القيم (٢/٤٤٣ ـ ٤٤٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>