فهذه كلماتٌ عظيمةٌ ينبغي على المسلم أن يتعلَّمها، وأن يحرصَ على قولها عندما يُصاب بالحزن أو الهمِّ أو الغمِّ، وليعلم كذلك أنَّ هؤلاء الكلمات إنَّما تكون نافعةً له إذا فَهم مدلولَها وحقَّق مقصودَها وعمل بما دلَّت عليه، أمَّا الإتيانُ بالأدعية المأثورة والأذكار المشروعية دون فهم لمعانيها ودون تحقيق لمقاصدها فإنَّ هذا قليلُ التأثير عديمُ الفائدة.
وإذا تأمَّلنا هذا الدعاءَ نجدُ أنَّه يتضمن أربعة أصول عظيمة، لا سبيل للعبد إلى نيل السعادة وزوال الهم والغم والحزن إلاَّ بالإتيان بها وتحقيقها.
أمَّا الأصل الأول: فهو تحقيقُ العبادة لله وتَمام الانكسار بين يديه، والخضوع له واعترافه بأنَّه مخلوق لله مَملوكٌ له هو وآباؤه وأمهاتُه، ابتداء من أبويه القريبين وانتهاء إلى آدم وحواء، ولهذا قال:"اللَّهمَّ إنِّي عبدُك وابنُ عبدك وابنُ أَمَتِك" فالكلُّ مماليك لله، وهو خالقُهم وربُّهم وسيِّدُهم ومدَبِّر شؤونهم، الذي لا غنى لهم عنه طرفة عين، وليس لهم من يعوذون به ويلوذون به سواه، ومن تحقيق ذلك التزام العبد عبوديته سبحانه من الذُّلِّ والخضوع والانكسار والإنابة وامتثال الأوامر واجتناب النواهي ودوام الافتقار إليه واللَّجأ إليه والاستعانة به والتوكل عليه والاستعاذة به، وأن لا يتعلَّق القلبُ بغيره محبَّةً وخوفاً ورجاءً.
وأمَّا الأصل الثاني: فهو أن يؤمن العبدُ بقضاء الله وقَدَره، وأنَّ ما شاء الله كان وما لَم يشأ لَم يكن، وأنَّه سبحانه لا مُعَقِّبَ لحُكمه ولا رادَّ لقضائه {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} ١، ولهذا قال في هذا الدعاء "ناصيَتِي بيدك، ماضٍ فِيَّ حُكمُك،