للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَدلٌ فِيَّ قضاؤك"، فناصيةُ العبد وهي مُقدَّمَةُ رأسه بيد الله، يتصرَّف فيه كيف يشاء ويَحكم فيه بما يريد، لا مُعَقِّبَ لحُكمه ولا رادَّ لقضائه، فحياةُ العبد وموتُه وسعادتُه وشقاوتُه وعافيتُه وبلاؤه، كلُّ ذلك إليه سبحانه ليس إلى العبد منه شيء، وإذا آمن العبدُ بأنَّ ناصيتَه ونواصي العباد كلَّها بيد الله وحده يصرفهم كيف شاء، لَم يخف بعد ذلك منهم ولم يَرجُهم ولَم يُنْزلْهم مَنْزِلَة المالكين، ولم يعلِّق أملَه ورجاءَه بهم، وحينئذ يستقيمُ له توحيدُه وتوكُّلُه وعبوديتُه، ولهذا قال هود عليه السلام لقومه: {إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} ١.

وقوله: "ماض في حُكمك" يتناول الحكمين: الحكم الديني الشرعي، والحكم القدري الكوني، فكلاهما ماضيان في العبد شاء أم أبَى، لكن الحكم الكوني القدري لا يمكن مخالفتُه، وأمَّا الحكمَ الدينِيَّ الشرعي فقد يخالفُه العبدُ، ويكون متعرِّضاً للعقوبة بحسب ما وقع فيه من مخالفة.

وقوله: "عَدلٌ فِيَّ قضاؤك" يتناول جميعَ أقضيته سبحانه في عبده من كلِّ الوجوه، من صحة وسُقم، وغنًى وفقر، ولَذَّة وألَم، وحياة وموت، وعقوبةٍ وتجاوز وغير ذلك، فكلُّ ما يقضي على العبد فهو عَدلٌ فيه {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} ٢.

والأصلُ الثالث: أن يؤمنَ العبدُ بأسماء الله الحسنى وصفاته العظيمة الواردة في الكتاب والسُّنَّة، ويتوسَّلَ إلى الله بها، كما قال تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا


١ سورة: هود، الآية (٥٦) .
٢ سورة: فصلت، الآية (٤٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>