للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد جعل اللهُ هذه الكلمةَ كلمةَ الاسترجاع وهي قول المُصاب: "إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون" ملجأً وملاذاً لذوي المصائب، وعِِصمةً للممتَحَنين، فإذا لَجأَ المُصابُ إلى هذه الكلمة الجامعة لمعاني الخير والبركة سكن قلبُه، واطمأنت نفسُه، وهدأ بالُه، وعوَّضَه اللهُ في مصيبته خيراً.

روى مسلم في صحيحه عن أم سلمة رضي الله عنها أنَّها قالت: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَا مِنْ عَبْدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولَ: إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْراً مِنْهَا، إِلاَّ آجَرَهُ اللهُ فِي مُصِيبَتِهِ وَأَخْلَفَ لَهُ خَيْراً مِنْهَا. قَالَتْ: فَلَمَّا تُوُفِيَّ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ كَمَا أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَخْلَفَ اللهُ لِي خَيْراً مِنْهُ؛ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم"١. أي: أنَّ اللهَ أكرَمَها فتزوَّجت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم.

ومَن يتأمَّل هذه الكلمةَ العظيمةَ كلمةَ الاسترجاع، يجدُ أنَّها مشتملةٌ على علاج عظيم لذوي المصائب، بل فيها لهم أبلغ علاج وأنفعه في الحال والمآل، وكم لهذه الكلمة من الآثارِ الحميدة والعواقبِ الرشيدة والنتائج العظيمة في الدنيا والآخرة، ويكفي في هذا قول الله تعالى: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} ٢، لكن مع قولها لا بدَّ من فهم مدلولها وتحقيق مقصودها؛ ليَحظَى العبدُ بهذا الموعود الكريم والثواب العظيم، وقد تضمَّنت هذه الكلمة أصلين عظيمين، إذا حقَّقَهما العبدُ علماً وعملاً تَسَلَّى عن مصيبته، ونال عظيمَ الثواب وجميل المآب.

أمَّا الأصل الأول: فهو أن يتحقَّق العبدُ أنَّ نفسَه وأهلَه ومالَه وولَده


١ صحيح مسلم (رقم:٩١٨) .
٢ سورة: البقرة، الآية (١٥٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>