للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِلكٌ لله عز وجل، فهو الذي أوْجَدَهم من العدَم، ويتصرَّف فيهم بما شاء، ويحكم فيهم بما يريد، لا مُعقِّب لحُكمه، ولا رادَّ لقضائه، وهذا مستفادٌ من قوله "إنَّا لله" أي: نحن مماليك له، وتحت تصرفه وتدبيره، هو ربُّنا ونحن عبيدُه، وكلُّ شيء واقعٌ علينا فبقضائه وقدره، {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} ١.

والأصل الثاني: أن يعلمَ العبدُ أنَّ مصيرَه ومرجعَه إلى الله، كما قال الله تعالى: {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} ٢، وقال تعالى: {إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى} ٣، فلا بدَّ للعبد أن يخلفَ الدنيا وراءَ ظهره، ويأتي ربَّه يوم القيامة فرداً كما خلقَه أوَّلَ مرَّة، بلا أهل ولا مال ولا عشيرة، وإنَّما يأتيه بالحسنات والسيِّئات، وهذا مستفادٌ من قوله: "وإنَّا إليه راجعون"، وهو إقرارٌ من العبد بأنَّه راجعٌ إلى الله، وأنَّه سبحانه سيُجازيه على ما قدَّم في هذه الحياة، وعندئذ يتَّجه إلى شَغْلِ نفسه بما ينفعه عند لقاء الله، فإذا قالَها المصابُ على هذا الوصف مستحضِراً لمعناها محقِّقاً لمدلوها ومقتضاها هُدي إلى صراط مستقيم.

روى أبو نعيم في الحلية عن الحسن بن علي العابد قال: "قال الفضيل ابن عياض لرجل: كم أتَت عليك قال ستُّون سنة، قال: فأنت منذ ستين سنة تسيرُ إلى ربِّك توشك أن تبلغ، فقال الرَّجل: يا أبا علي، إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، قال له الفضيل: تعلمُ ما تقول فقال الرجل: قلت: إنَّا لله وإنَّا إليه


١ سورة: الحديد، الآية (٢٢) .
٢ سورة: النجم، الآية (٤٢) .
٣ سورة: العلق، الآية (٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>