ومعنى قولِه: لِيُعْمَلَ به: أي ليُحِلُّوا حلالَه ويحرِّموا حرامَه، فاتّخذ النّاس قراءته عملاً، أي لا يتدبّرونه ولا يعملون به.
ومن هذه الآداب: أن تكون همّة من يقرأ القرآن ايقاع الفهم لما ألزمه الله من اتّباع ما أمر والانتهاء عمّا نهى، ليس همّته متى أختم السورة، وإنّما همّته متى أستغني بالله عن غيره، متى أكون من المتقين، متى أكون من المحسنين، متى أكون من الخاشعين، متى أكون من الصادقين، متى أعرف قدر النِّعم المتواترة، متى أشكر الله عليها، متى أتوب من الذنوب، متى أعقل عن الله الخطاب، متى أفقه ما أتلو، متى أكون بزجر القرآن متّعظًا، متى أكون بذكر الله عن ذكر غيره مشتغلاً، متى أُحبُّ ما أحبَّ وأُبغض ما أبغضَ، فهذه همّته عند تلاوة القرآن.
يقول الإمام الحسن البصري رحمه الله وهو من أجلّة التّابعين، يصف بعض قرّاء زمانه وهو بصدد بيان أهمّيّة تدبّر القرآن والتفقه فيه، يقول:"أما والله ما هو بحفظ حروفه وإضاعة حدوده، حتى إنَّ أحدهم ليقول: لقد قرأت القرآن فما أسقطت منه حرفًا، وقد والله أسقطه كلّه، ما يرى له القرآن في خلق ولا عمل، حتى إنَّ أحدهم ليقول: إنّي لأقرأ السورة في نَفَس، والله ما هؤلاء بالقرّاء ولا العلماء ولا الحكماء ولا الورعة، متى كانت القرّاء مثل هذا، لا كثَّر الله في النّاس مثل هؤلاء"١.
١ رواه عبد الرزاق في المصنف (٣/٣٦٣) ، والآجري في أخلاق حملة القرآن (ص:٤١) .