للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليفوز بثوابها، وليغنم خيرها، وليحصِّل أجرها، ولينال بركتها، والمحروم من حُرم الثواب ومَن تَمرُّ عليه مواسمُ الخير وأيامُ البركة والفضل وهو مستمرٌّ في ذنوبه متماد في غيِّه، منهمكٌ في عصيانه، أتلفته الغفلةُ، وأهلكه الإعراضُ، وصدَّته الغواية، فما أعظم حسرته وما أشدَّ ندامته، ومن لَم يحرص على الرِّبح في هذه الليلة المباركة فمتى يكون الحرص، ومَن لم ينب إلى الله في هذا الوقت الشريف فمتى تكون الإنابة، ومن لَم يزل متقاعساً فيها عن الخيرات ففي أيِّ وقت يكون العمل.

إنَّ الحرصَ على طلب هذه الليلة وتحرِّي الطاعة فيها والاجتهادَ في الدعاء من سِمات الأخيار وعلامات الأبرار، بل إنَّهم يُلحُّون على الله فيها أن يكتب لهم العفوَ والمعافاة؛ لأنَّها الليلةُ التي يُكتب فيها ما يكون من الإنسان في عامه كلِّه، ففي هذه الليلة يدعون ويُلحُّون، وفي عامهم كلِّه يَجدُّون ويجتهدون، ومن الله يطلبون العون ويسألون التوفيق.

روى الترمذي وابن ماجه وغيرُهما عن أمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: "قلت: يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ عَلِمْتُ أَيَّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ القَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا قَالَ: قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي"١.

وهذا الدعاءُ المبارك عظيمُ المعنى عميقُ الدلالة كبيرُ النفع والأثر، وهو مناسب لهذه الليلة غاية المناسبة، فهي كما تقدَّم الليلة التي يُفرق فيها كلُّ أمر حكيم، ويُقدَّر فيها أعمالُ العباد لسنة كاملة حتى ليلةَ القدر الأخرى، فمن رُزق في تلك الليلة العافية وعفا عنه ربُّه فقد أفلح وفاز وربح أعظم الرِّبح


١ سنن الترمذي (رقم:٣٥١٣) ، وابن ماجه (رقم:٣٨٥٠) ، وصحَّحه الألباني ـ رحمه الله ـ في صحيح ابن ماجه (رقم:٣١٠٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>