للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فانظر أخي المسلم رعاك الله إلى هذا الجمال والكمال الذي دعت إليه الشريعةُ عند العُطاس؛ حمدٌ وثناءٌ وتراحمٌ ودعاءٌ، العاطسُ يحمَد اللهَ، ومَن يسمعه يدعو له بالرحمة، ثم هو يُبادل الدعاءَ بالدعاء، فيدعو لِمَن شَمَّته بالهداية وصلاح الحال، فما أقواها من لُحمة، وما أجمله من ترابط ووصال.

بل جعل الإسلامُ تشميتَ العاطس حقًّا من الحقوق المتبادلة بين المسلمين، ففي الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "حقُّ المسلم على المسلم ستٌّ: إذا لقيتَه فسَلِّم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس وحمد اللهَ فشَمِّته، وإذا مرض فعُده، وإذا مات فاتَّبعه"١.

والتشميتُ هو الدعاءُ بالخير، قيل: هو مشتقٌّ من الشوامت وهي القوائم، كأنَّه دعا له بالثبات والقيام بالطاعة، وقيل: معناه أبعدَك الله عن الشماتة، وجنَّبك ما يشمت عليك به.

ثمَّ إنَّ هذا التشميت إنَّما يستحقُّه مَن يحمَد اللهَ عند العُطاس، وأمَّا من لَم يحمد فإنَّه لا يُشَمَّت، ففي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: "عَطَسَ عند النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رجلان، فشمَّت أحدَهما ولَم يُشمِّت الآخَر، فقال الذي لَم يُشمِّته: عَطسَ فلانٌ فشَمَّتَه، وعطستُ أنا فلَم تُشَمِّتْنِِي، فقال: إنَّ هذا حَمِِدَ اللهَ، وإنَّكَ لَم تَحْمَد الله"٢.

وروى مسلم عن أبي بُردة قال: دخلتُ على أبي موسى الأشعريِّ، وهو في بيت بنت الفضل بن عباس، فعطستُ فلم يُشَمِّتنِي، وعطستْ فشمتَّها، فرجعتُ


١ سبق تخريجه.
٢ صحيح البخاري (رقم:٦٢٢٥) ، وصحيح مسلم (رقم:٢٩٩١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>