الإجلال والإكرام، بأنَّ حالهم فيه بين الغلوّ والجفاء، وأخبر أنَّ إكرام هؤلاء أي أهل هذا الوصف من إجلال الله تبارك وتعالى، وما من ريبٍ أنَّ هذه درجةٌ منيفة، ومنزلة شريفة تبوّأها هؤلاء بسبب لزومهم القرآن، وعدم تجانفهم عنه بغلوٍّ أو جفاء أو زيادة أو تقصير.
قال أبو عبيد القاسم بن سلاّم رحمه الله في بيان معنى حديث أبي موسى المتقدّم:"فالغالي المفرط في اتباعه حتى يخرجه إلى إكفار النّاس مثل الخوارج، والجافي عنه المضيّع لحدوده المستخفِّ به. وفي معنى هذا الحديث قولُ رابعِ الخلفاء الراشدين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: "إنَّ دين الله بين الغالي والمقصِّر، فعليكم بالنُّمرقة الوسطى، فإنَّ بها يلحق المقصّر وإليها يرجع الغالي".
وهو كلام حسن عظيم الفائدة، قال فيه ثعلب اللغوي المشهور: "ما روي في التوسُّط أحسن من قول أمير المؤمنين عليّ رضي الله عنه" ـ يشير إلى كلامه هذا المتقدّم ـ.
إنّ الشيطان أحرصُ ما يكون على صرف المسلم عن الجادة وإبعاده عن الصراط المستقيم، إمّا إلى غلوّ أو إلى الجفاء، ولا يبالي عدوُّ الله بأيِّ الأمرين منهما ظفر. قال بعض السلف: "ما أمر الله تعالى بأمر إلاّ وللشيطان فيه نزغتان: إمّا إلى تفريط وتقصير، وإمّا إلى مجاوزة وغلو، ولا يبالي بأيِّهما ظفر"١. ولِعَدوِّ الله في هذا الأمرِ مكرٌ عجيبٌ وكيدٌ غريبٌ.