للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صائحا سائحا (٢٨٣ ظ) والها حيران يبكي وينتحب، ثمّ سقط مغشيا عليه يوما وليلة، ثمّ أفاق حتى أصبح، فمكث بذلك المكان شهرا يبكي بدمع هتين (١)، وقلب حزين حتى نبت العشب في ذلك المكان من دموع عينه، فرحم الله طول بكائه وتضرعه، فأوحى الله إليه أن ارفع رأسك يا داود، فقد غفرنا لك، فقال: إلهي، وكيف تغفر لي وأنت عدل لا تجور؟ فأوحى الله إليه: أن أري أوريا (٢) في الجنّة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، فيسألني لمن هذا يا ربّ؟ فيقول: لمن غفر لأخيه ذنبه إليه، فقال: إلهي وسيّدي، علمت الآن أنّك غفرت لي، ثمّ لم يزل باكيا على خطيئته أيام حياته، وكان يلبس الصّوف، ويفترش الشعر، ويصوم يوما، ويفطر يوما على خبز شعير بملح جريش، وكان إذ ذكر خطيئته خرّ مغشيّا عليه حتى ربط الله [قلبه] (٣) بالصّبر والإيمان، فألقى الله في قلوب بني إسرائيل أن يخرجوا في طلبه، ويردّوه إلى دار مملكته، فإنّ داود عليه السّلام ولد له سليمان من تلك المرأة، واسمها بتشايع. (٤)

٢٤ - {قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ:} خاطب الذي يصوّر له أنّه مظلوم دون الذي تصوّر له أنّه ظالم، إعزاز الذليل وإهانة الظالم (٥).

{وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ:} يجوز أن يكون من كلام داود عليه السّلام، ويجوز أن يكون كلاما عارضا في أثناء القصّة من جهة الله، ويجوز أن يكون من كلام الخصمين بإضمار القول.

{الْخُلَطاءِ:} جمع خليط، وهو الشّريك. (٦)

{وَظَنَّ داوُدُ} أي: علم وتيقّن. (٧)

{وَقَلِيلٌ ما هُمْ:} يجوز أن تكون (ما) صلة، (٨) ويجوز أن تكون اسما، (٩) أي: قليل الذين يؤمنون، وإنّما هي التي تدخل الحرف النّاصب على الأفعال.


(١) الأصل وك وأ: هتين.
(٢) الأصل وأ: رؤيا.
(٣) زيادة يقتضيها السياق.
(٤) هل يعقل أن يكون نبي من أنبياء الله تعالى بهذا الشكل، ويعمل بهذا العمل، اللهم لا، ولا أريد أن أعلق بأكثر من هذا ففي الرد على مثل هذه الإسرائيلية سهل، وعدم التصديق بها يدركه كل مؤمن آمن بأنبياء الله تعالى على أنهم معصومون من الله تعالى عصمة لا يمكن أن تحدث معها مثل هذه الأعمال. والله أعلم. وينظر: قصة داود عليه السّلام وابتلائه في تعظيم قدر الصلاة ١/ ١٠٣ - ١٠٥.
(٥) (إعزاز الذليل وإهانة)، مكرر في الأصل وك وأ.
(٦) ينظر: تفسير غريب القرآن ٣٧٩، وزاد المسير ٧/ ١٩، والكشاف ٤/ ٨٨.
(٧) ينظر: معاني القرآن للفراء ٢/ ٤٠٤، والبيان في غريب إعراب القرآن ٢/ ٢٦٣، وزاد المسير ٧/ ١٩.
(٨) ينظر: تفسير السمعاني ٤/ ٤٣٥، والبيان في غريب إعراب القرآن ٢/ ٢٦٣، واللباب في علوم الكتاب ١٦/ ٤٠٦.
(٩) تفسير الطبري ١٠/ ٥٦٩، وتفسير القرطبي ١٥/ ١٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>