فطالما احتمل أذاهم ولم يدع عليهم، بل دعا لهم بالهداية مما يصلح مثلا أعلى في الصبر على الدعوة واحتمال المدعوين وإن آذوا أصحاب الدعوة في أموالهم ومصالحهم وأنفسهم.
وكان المشركون إذا سمعوا القرآن يجهر به الرسول وهو يصلي بأصحابه مستخفياً يسبون القرآن ومن أنزله ومن جاء به، فأمره الله تعالى أن يتوسط بالقراءة بحيث يسمعه اتباعه دون المشركين قال تعالى {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا}(١).
إن حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على الصلاة في المسجد الحرام أدى إلى الاحتكاك بالمشركين مراراً، ولعله حرص على إظهار شعائر الإسلام، واحترام الكعبة، ولقاء الناس لأغراض الدعوة.
ومن هنا حاول المشركون تفويت هذه الأغراض عليه بمضايقته وإيذائه دون التورع عن ذلك حتى وهو يسجد لله في صلاته!!
إن التهديد بالأذى والقتل على لسان زعماء المشركين لم يكن ينقطع في مرحلة الدعوة العلنية، بل كان يتصاعد ويشتد مع الأيام. فمرةً "قال أبو جهل: هل يعفَّر محمد وجهه بين أظهركم؟
فقيل: نعم.
فقال: واللات والعزى، لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته أو لأعفرن وجهه في التراب.
فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يصلي، زعم ليطأ على رقبته. فلما فجئهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه فقيل له: مالك؟
فقال: إن بيني وبينه لخندقاً من نار وهولاً وأجنحة.
(١) الآية من سورة الإسراء ١١٠ والحديث أخرجه البخاري (فتح ١٠/ ١٩) وصحيح مسلم ١/ ٣٢٩.