للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى بيت المقدس (١) وقد مضى النبي صلى الله عليه وسلم يميز أتباعه عمن سواهم في أمور كثيرة ويوضح لهم أنه يقصد بذلك مخالفة اليهود. من ذلك: أن اليهود لا يصلون بالخف فأذن النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه أن يصلوا بالخف، واليهود لا تصبغ الشيب فصبغ المسلمون شيب رأسهم بالحناء والكتم. واليهود تصوم عاشوراء والنبي صلى الله عليه وسلم يصومه أيضاً ثم اعتزم أواخر حياته أن يصوم تاسوعاء معه مخالفة لهم. ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم وضع للمسلمين مبدأ مخالفة غيرهم والتميز عليهم فقال: "من تشبه بقوم فهو منهم" وقال: "لا تشبهوا باليهود" والأحاديث في ذلك كثيرة وهي تفيد معنى تميز المسلمين واستعلائهم على غيرهم، ولا ريب أن التشبه والمحاكاة للآخرين يتنافى مع الاعتزاز بالذات والاستعلاء على الكفار (٢). ولكن هذا التميز والاستعلاء لا يشكل حاجزاً بين المسلمين وغيرهم، فكيان الجماعة الإسلامية مفتوح وقابل للتوسع ويستطيع الانضمام إليه من يقبل (ايديولوجيته).

وقد ذكرت البنود من (٣) إلى (١١) الكيانات العشائرية ن واعتبرت المهاجرين كتلة واحدة لقلة عددهم أما الأنصار فنسبتهم إلى عشائرهم، وذكر العشائر لا يعني اعتبارها الأساس الأول للارتباط بين الناس، ولا يعني الإبقاء على العصبية القبلية والعشائرية فقد حرم الإسلام ذلك: "ليس منا من دعا إلى عصبية" (٣) وإنما للاستفادة منها في التكافل الاجتماعي، وجعل الإسلام العقيدة هي الأصل الأول الذي يربط بين اتباعه لكنه اعترف بارتباطات أخرى تندرج تحت رابطة العقيدة وتخدم المجتمع وتساهم في بناء التكافل الاجتماعي بين أبنائه، مثل الارتباطات الخاصة بين: أفراد الأسرة الواحدة وما يترتب عليها من حقوق وواجبات على الآباء والأبناء والأمهات وأفراد العشيرة الواحدة وما يترتب عليهم من حقوق وواجبات كالتضامن في دفع الديات وفكاك الأسرى وإعانة المحتاج منهم؛ وأفراد المحلة الواحدة: "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى


(١) خليفة: التاريخ ٢٣ - ٢٤ وسيرة ابن هشام ١/ ٥٥٠.
(٢) يعطي ابن تيمية في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم فكرة واضحة عن هذا المعنى
(٣) سنن أبي داود ٥١٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>