للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا شك أن استمرار النبي صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة في الصلاة إلى بيت المقدس لقي ترحيباً من اليهود الذين كانوا قد عاهدوه. ولعل ما يذكره مجاهد من أنهم استغلوا ذلك قائلين: "يخالفنا محمد ويتبع قبلتنا" (١) صحيح، فكأنهم يرون أن الدين الجديد يتابعهم في قبلتهم ويأخذ عنهم في التقاليد والطقوس وقد يطمحون في جره إليهم، وقد ذهب البعض إلى القول بأن تغيير القبلة إلى بيت المقدس كان أول الهجرة إلى المدينة تأليفاً ليهود (٢) وقد تبين أن الصحيح خلاف ذلك وأن الصلاة إلى بيت المقدس كانت استمراراً لما كانت عليه الحال بمكة قبل الهجرة.

وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يتطلع إلى الوحي ويرغب في التوجه إلى الكعبة .. عودة إلى قبلة إبراهيم عليه السلام حيث أول بيت مبارك بني لتوحيد الله وعبادته، ورغبة في تمييز المسلمين بقبلة مستقلة تقطع على يهود دعايتهم فاستجاب الله تعالى له وحقق أمنيته {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} (٣).

وأول صلاة صلاها النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة كانت صلاة الظهر في بني سلمة، وأول صلاة صلاها في المسجد النبوي العصر، وأول صلاة صلاها أهل قباء في مسجدهم الفجر عندما بلغهم خبر تحويل القبلة (٤). وكان وقع ذلك على اليهود شديداً، فقد غضبوا للأمر وقاموا بدعاية واسعة، فنزل القرآن الكريم في تفنيد مزاعمهم، فلما زعموا أن البر في الاتجاه بالصلاة إلى بيت المقدس نزل قوله تعالى {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} (٥) وعندما يتساءلون عن سبب التحول عن


(١) تفسير الطبري ٢/ ٢٠.
(٢) قد وردت في ذلك روايات ضعيفة في تفسير الطبري ٢/ ٤ من طريق محمد بن حميد الرازي وهو ضعيف والمثنى بن إبراهيم الآملي وهو مجهول.
(٣) سورة البقرة: آية ١٤٤.
(٤) فتح الباري ١/ ٩٧.
(٥) سورة البقرة: آية ١٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>