للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقصة أبي جندل وأبي بصير وام احتملاه في سبيل العقيدة، وما أبدياه من الثبات والإخلاص والعزيمة والجهاد حتى مرّغوا رءوس المشركين بالتراب، وجعلوهم يتوسلون بالمسلمين لترك ما اشترطوه عليهم في الحديبية. هذه القصة نموذج يقتدى به في الثبات على العقيدة وبذل الجهد في نصرتها وفيها ما يشير إلى مبدأ (قد يسع الفرد مالا يسع الجماعة) فقد ألحق أبو بصير وجامعته الضرر بالمشركين في وقت كانت فيه دولة الإسلام لا تستطيع ذلك وفاء بالصلح، لكن أبا بصير وأصحابه خارج سلطة الدولة - ولو في ظاهر الحال- ولم يكن ما قام به أو بصير والمستضعفون بمكة مجرد اجتهاد فردي لم يحظ باقرار الرسول صلى الله عليه وسلم ورضاه، بل كان بوسع الرسول صلى الله عليه وسلم أن يأمر أبا بصير بالكف عن قوافل المشركين ابتداء أو بالعودة إلى مكة، لكن ذلك لم يحدث فكان اقراراً له، إذ كان موقف أبي بصير وأصحابه في غاية الحكمة حيث لم يستكينوا لطغاة مكة يفتنونهم عن دينهم ويمنعونهم عن اللحاق بالمدينة، فاختاروا موقفا فيه خلاصهم وإسناد دولتهم بأعمال تضعف اقتصاد مكة وتزعزع إحساسها بالأمن في وقت الصلح. بل يمكن القول بأن اتخاذ هذا الموقف كان بإشارة وتشجيع من النبي صلى الله عليه وسلم حين وصف أبا بصير بأنه "مسعر حرب لو كان معه رجال"!!

وقد اقتصر الرسول صلى الله عليه وسلم على رد الرجال من المسلمين الفارين من قريش بموجب الصلح، أما النساء المهاجرات فلم يردهن، وقد جاءته أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط مهاجرة، فجاء أهلها يطلبونها، فلم يردها إليهم" لما أنزل الله فيهن: {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ} إلى قوله: {وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} (١) فكان الرسول صلى الله عليه وسلم يختبرهن فإن خرجن بسبب


= فمات والكتاب في يده، فدفنه أبو جندل مكانه وقدم أبو جندل ببقية الرجال على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة (دلائل النبوة ٢/ق ٣٤٣ - ٣٤٤) نحوه ومن مرسل عروة (دلائل النبوة ٢/ ق ٢٤٥) والمرسل ضعيف ويقوى إذا تعددت مخارجه لكن عروة شيخ الزهري، والزهري من أوسع الرواة عنه رواية والاحتمال القوي أن يكون مخرج الرواية واحداً، فلا تقوى.
(١) صحيح البخاري (الفتح حديث ٢٧١١/ ٢٧١٢) وفتح الباري ٥/ ٤٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>