للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جذيمة في يلملم جنوب مكة بثلاثين كيلا، داعيا لهم إلى الإسلام، فلما وصلهم دعاهم إلى الإسلام فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا، فجعلوا يقولون صبأنا صبأنا، فقتل منهم وأسر، ثم أمر بعد حين بقتل الأسرى، وقد توقف عبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن عوف وبعض الصحابة عن قتل الأسرى، حتى قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم الذي تبرأ مما صنع خالد مرتين (١).

لقد تأول خالد بن الوليد قولهم "صبأنا" بأنهم لا يريدون إعلان إسلامهم أو أنهم ينتقصون الإسلام بذلك فلم يحقن دماءهم (٢)، ورأى عبد الرحمن بن عوف وعبد الله أنهم عبروا عن إسلامهم بما يعرفون، ولم تكن المصطلحات الشرعية قد اتضحت لسائر العرب آنذاك، لذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم وإن تبرأ من فعل خالد لعجلته وعدم تثبته فإنه لم يعاقبه ولم يعزله عن إمارة جنده، إذ أنه اجتهد فأخطأ.

وتقول رواية لا تصلح للاحتجاج بها لانقطاعها أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع ديات القتلى جميعا وزادهم فيها تطييبا لنفوسهم وبراءة من دمائهم (٣).

وهذا يتفق مع أحكام الإسلام في قتل الخطأ، ولو اعتمدنا على الرواية المنقطعة فينبغي أن نقبلها جميعا وفيها أن خالد بن الوليد لما وصل بني جذيمة حملوا السلاح فأمرهم بإلقائه وذكرهم بأن الناس قد أسلموا، فوضعوا السلاح فكتفهم وقتل العديد منهم. وقد ساق هذه الرواية ابن إسحق وساق روايات أخرى تفيد أن عمل خالد كان ثأراً لعمه الفاكه بن المغيرة الذي قتلته بنو جذيمة في الجاهلية وقد عقب ابن كثير على روايات ابن إسحق بقوله: "وهذه مرسلات


(١) صحيح البخاري ٥/ ١٣١ وابن كثير: التفسير ٤/ ٣٠٦ وحول الملاحاة بين ابن عوف وخالد انظر: صحيح مسلم ٤/ ١٩٦٧.
(٢) ابن حجر: فتح الباري ٨/ ٥٧،وكان قريش تقول عن كل من أسلم إنه صبأ، فصارت تطلق في معرض الذم، وهو عذر لخالد الذي كان يعرف ظل الكلمة وظروف استعمالها، أما بن جذيمة فيبدو أنهم استعملوها دون أن يفطنوا لما أحاط بها من ظلال ووقع في حس المسلمين.
(٣) سيرة ابن هشام ٢/ ٤٣٠، وهو من مراسيل أبي جعفر محمد على الباقر، فهو منقطع لأن الباقر ولد ما بين (٤٠ - ٥٦ هـ) كما في تهذيب التهذيب لابن حجر ٩/ ٣٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>