للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا التحول الذي يتسق مع طبيعة الإسلام وأهدافه في الحياة والذي تعتبر غزوة تبوك أحد شواهده.

وتبوك موقع شمال الحجاز يبعد عن المدينة المنورة ٧٧٨ كيلا حسب الطريق المعبدة في الوقت الحاضر، وكانت من ديار قضاعة الخاضعة لسلطان الروم آنذاك، وقد سماها الرسول صلى الله عليه وسلم بتبوك (١)، وسميت بغزوة العسرة أيضا لما كان أصاب المسلمين من الضيق الاقتصادي وقتها (٢)، والذي تدل عليه أيضا الآية الكريمة {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ ..} (٣)، وقد بين كل من قتادة ومجاهد (٤) - وهما إمامان كبيران في التفسير بالمأثور - أن "الرجلين كانا يشقان التمرة بينهما، وكان النفر يتناولون التمرة بينهم يمصها هذا، ثم يشرب عليها، ثم يمصها هذا، ثم يشرب عليها" (٥) ولا يعرف إن كانت الأزمة الاقتصادية وقت هذه الغزوة ترجع إلى توقيت الحملة قبل جني ثمار التمر وبيعه أم أنها ترجع لعوامل أخرى أبعد (٦).

المنفقون على جيش تبوك:

وقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على النفقة ووعد المنفقين بعظيم الأجر من الله، فسارع أغنياء الصحابة وفقراؤهم إلى تقديم الأموال، وكان عثمان بن عفان أكثر


(١) صحيح مسلم: كتاب الفضائل ٧/ ٦٠ - ٦١.
(٢) صحيح البخاري: كتاب التوحيد ٩/ ١٢٩، ومواضع أخرى من صحيحه؛ وصحيح مسلم ٥/ ٨٢. انظر: فتح الباري ٨/ ٨٤؛ وانظر عن الضيق الاقتصادي أيضاً: صحيح مسلم ١/ ٢٦ - ٢٧، ٤١ - ٤٢؛ والنووي: شرح صحيح مسلم ١/ ٢٢١ - ٢٢٣؛ وتفسير القرطبي ٨/ ٢٧٩.
(٣) سورة التوبة: الآية (١١٧).
(٤) الإسنادان منقطعان حيث أن قتادة ومجاهدا لم يدركا ذلك، والإسناد إلى قتادة صحيح وأما الإسناد إلى مجاهد ففيه ضعف سنيد بن داؤد المصيصي.
(٥) تفسير الطبري ١١/ ٥٥.
(٦) فتح الباري ٣/ ٣٤٣ - ٣٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>