للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كُفَّارَهُمُ ومُسْلِمُهُم، مِنْهُم مَنْ فَعَلَهُ حَمِيًّة، ومِنْهُم مَنْ فَعَلَهُ إيمْانًا ويَقِينًا، فَلَمَّا عَرَفَتْ قُرَيْشُ أنَّ القَوْمَ قد اجْتَمَعُوا، ومَنَعُوا [الرُّسُولَ] (١) واجْتَمَعُوا عَلَى ذَلِكَ كُفَّارُهُم ومُسْلِمُهُم اجْتَمَعَ المُشْرِكُونَ مِنْ قُرَيْشٍ، فأجْمعُوا أَمْرَهُم عَلَى ألَّا يُجَالِسُوهُم، ولَا يُخَالِطُوهُم، ولَا يُبَايعُوهُم، ولا يَدْخُلُوا بِيُوتَهُم حتَّى يُسْلِمُوا رَسُولَ اللهِ للقَتْلِ، وكَتَبُوا بِمَكْرِهِم صَحيفَةً وعُهُودَا ومَوَاثيقَ ألَّا يَقْبَلُوا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ أَبَدًا صُلْحًا، ولا يأْخُذُوا بِهِم رأًفْةً، ولَا رَحْمَةً، ولَا هَوَادَةً حتَّى يَسْلِمُوا رَسُولَ الله للقَتْلِ، فَلَبِثَ بَنُو هَاشِمٍ في شِعْبهِم ثَلَاثَ سِنِينَ، واشْتَدَّ عَلَيْهِم فِيهِنَّ البَلَاءُ والجُهْدُ، وقَطَعُوا عَلَيْهِم الأَسْوَاقَ، ولا يَتركُوا طَعَامًا يَدْنُو مِنْ مَكَّةَ، ولا بَيْعٌ إلَّا بَادَرُوا إليهِ لِيَقْتُلُهم الجُوعُ، يُرِيدُونَ أَنْ يَنَالُوا بِذَلِكَ سَفْكَ دَمِ رَسُولِ اللهِ، وكانَ أَبو طَالِبٍ إذا أَخَذَ النَّاسُ مَضْاجَعُهُم أَمَرَ رَسُولَ الله فأَتَى فِرَاشَهُ حتَّى يَرَاهُ مَنْ أَرَادَ بهِ مَكرًا أَو غَائِلَةً، فإذا نوَّمَ النَّاسُ أَخَذَ أَحَدَ بَنِيهِ، أَو إخْوَتهِ، أَو بَنِي عَمِّه فأَضْجَعَهُ علَى فِرَاشِ رَسُولِ اللهِ، وأَمَرَ رَسُولَ اللهِ أنْ يأْتِي بَعْضَ فُرُشِهِم فَيرقُدُ عَلَيها، فَلَمَّا كانَ رأْسُ ثَلَاثِ سِنِينَ تَلَاوَمَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ ورِجَالٌ مِنْ بَنِي قُصَيٍّ، ورِجَالٌ مِمَّن سِوَاهُم، وذَكَرُوا الذي وَقَعُوا فيهِ مِنَ القَطِيعَةِ، فأَجْمَعُوا أَمْرَهُم مِنْ لَيْلَتِهِم عَلَى نَقْضِ مَا تَعَاهَدُوا عَلَيْهِ، والبَراءَةِ منهُ، وبَعَثَ الله تَبَارَكَ وتَعَالىَ [عَلَى] (٢) صَحِيفَتِهِم التي فيها المَكْرُ بِرَسُولِ اللهِ الأَرَضَةَ، فَلَحَستْ كُلَّ شَيءٍ كانَ فِيهَا، وكَانَتْ مُعَلَّقَةً في سَقْفِ الكَعْبَةِ، وكانَ فِيهَا عَهْدُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وميثَاقُهُ، فَلَمْ تَترُكْ فِيهَا شَيْئًا إلَّا لحَسَتْهُ، وبَقِيَ فِيهَا مَا كَانَ


(١) جاء في الأصل: (الرسل) وهو خطأ.
(٢) زيادة يقتضيها السياق.