للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السُّنَّةِ، جَرِيئًا بالحَقِّ، لَا تَأْخُذُهُ في اللهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ، فقدْ رَوَى ابنُ أَخِيه يَحْيَى بنِ عَبْدِ الوَهَابِ في كِتَابِ تَارِيخِ أَصْبَهَانَ عنه قالَ: (كَتَبْتُ عَنْ عَبْدِ اللِّهَ بنِ مُحمَّدِ بنِ عَقِيلٍ البَاوَرْدِيِّ جُزْأَيْنِ مِنْ حَدِيث أَحْمَدَ بنِ سَلْمَانَ فقالَ ليِ يَوْمًا: مَنْ لمْ يَكُنْ عَلَى مَذْهَبِ الاعْتَزَالِ فَلَيْسَ بمُسْلِمٍ، فَلَمَّا سَمِعْتُ منهُ هَذا القَوْلَ مَزَّقْتُ الجُزْأَيْنِ وتَرَكْتُ الرِّوايةَ عَنْهُ) (١)، وكانَ رَحِمَهُ الله شَدِيدًا عَلَى الأَشَاعِرَةِ (٢)، وتَقَدَّمَ


= مكانا حرجا، وهو في غيّه يتردى في ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها، ورضي الله عن سيدنا عبد الله بن مسعود حين قال: (مَنْ كان مُسْتنّا فَلْيَسْتن بمنْ قَدْ مَاتَ، أولئكَ أَصْحابُ مُحمد صلى الله عليه وسلم، كانوا خَيرَ هذه الأمَّة، وأَبَرها قُلوبا، وأَعْمَقَها عِلْما، وأَقَلّها تَكلفا، قَومٌ اخْتارَهُمُ الله لصُحْبَة نَبيه صلى الله عليه وسلم، ونَقلِ دينه، فَتَشبَّهوا بأَخْلاقِهِم وطَرائِقِهم؛ فَهُمْ كانوا عَلَى الهَدْي المُستقيم).
(١) الأنساب للسمعاني ١/ ٢٧٤.
(٢) الأشاعرة هم أتباع الإِمام العلامة أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري البصري المتوفى سنة (٣٢٤)، كان معتزليّا ثم تحوّل عنهم، وصار يرد عليهم بأساليبهم الكلامية من جانب، وبنصوص الكتاب والسنة من جانب آخر، حتى أفحمهم وانتصر للسنة وأهلها، وبقيت عنده في هذه المرحلة بعض الشوائب الكلامية التي كان يقول بها عبد الله بن سعيد بن كُلَّاب البصري المتوفى بعد سنة (٢٤٠)، من أخطرها: تأويل الصفات الخبرية مثل: اليد، والعين، والنفس، والاستواء، وكذلك صفات أفعال الله تعالى مثل: النزول، والمجيء، والرضا، والحب ونحوها من الصفات الثابتة في كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فصرفها عن غير ظاهرها، هربا من شبهة التجسيم والتمثيل، ومن الشوائب الكلامية الأخرى: القول بأن أفعال الله لا تتعلق بمشيئته، ومنها أن كلام الله هو الكلام النفسى القديم، وأن القرآن عبارة أو حكاية عن كلام الله، ونحو ذلك من الشوائب الكلامية، ثم تراجع أبو الحسن عن مقولاته في الصفات التي سلك فيها مسلك التأويل، وعن بعض آرائه الأخرى التي كان يقول بها في هذه المرحلة، فقرر التحوّل إلى منهج أهل السنة والجماعة، وهو إثبات ما أثبته الله لنفسه، وأثبته له رسوله عليه الصلاة والسلام من الأسماء والصفات من غير تكييف ولا تمثيل ولا تعطيل، وألف كتابه المسمى بـ (الإبانة عن أصول الديانة)، وهو آخر كتبه التي ألفها، فكان مما قال فيه كما في ص ٥٢: (وقولنا الذي نقول به، وديانتنا التي ندين بها: التمسك بكتاب ربنا عَزَّ وَجَلَّ وبسنة نبينا محمَّد صلى الله عليه وسلم، وما روي عن الصحابة والتابعين، وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون، وبما يقول به أبو عبد الله أحمد بن محمَّد بن حنبل -نضر الله وجهه، ورفع درجته، وأجزل مثوبته- قائلون، ولمن خالف قوله مجانبون ...)، =

<<  <  ج: ص:  >  >>