وقد استقر مذهبه الثاني، وظل ينتقل من طور إلى آخر بواسطة شيوخه الكبار كالباقلاني (ت ٤٠٣)، وابن فَوْرك (ت ٤٠٦)، والجُوَيني (ت ٤٧٨)، والغزالي (ت ٥٠٥)، والشهرستاني (ت ٥٤٨)، والرَّازي (ت ٦٠٦)، والآمدي (ت ٦٣١) وغيرهم، وما زال يلقى قبولا وتأييدا لدى كثير من المسلمين، مع أن كثيرا من هؤلاء الأئمة تراجعوا في أواخر حياتهم إلى مذهب السلف وأهل الحديث، وقد وقفت على نص مهم للإمام تقي الدين أحمد بن علي بن عبد القادر المَقْرِيزي المصري المتوفى سنة (٨٤٥) في كتابه الخِطط ٣/ ٣٠٩ وهو يتحدَّث عن الطوائف والمذاهب التي حدثت في القرن الأول وما بعده، وسبب انتشار المذهب الثاني لأبي الحسن الأشعري- فقال ما ملخّصه: (ثم ظهر الأشعري، وكان أخذ عن الجُبَّائي الاعتزال، ولازَمه دهرا طويلا، ثم سلك طريق ابن كُلَّاب في الصفات والقدر وغير ذلك، وسلك طريقه جماعة من العلماء، مثل: الباقلاني، وابن فُوْرك، والإسفرايينى، والشيرازي، والغزالي، والشهرستاني، والرَّازي وغيرهم، وملئوا الدنيا تصانيفهم، يَحْتَجُّون، ويدَّعون أن طريقتهم هي طريقة أهل السنة والجماعة، فانتشر هذا المذهب في البلاد الإِسلامية، وجاءت دولة بني أيوب، وكانوا على هذا المذهب، ثم مواليهم الأتراك، وأخذه ابن تُومرت إلى المغرب، ونشره هناك، فصار هذا المذهب هو المعروف في الأمصار، بحيث نُسِي ما عداه من المذاهب، أو جُهل، حتى لم يبق اليوم مذهب يخالفه، إلا أن يكون مذهب الحنابلة، حتى جاء تقى الدين -أبو العباس ابن تيمية- فتصدّى للانتصار لمذهب السلف ... إلخ. ينظر: السير ١٥/ ٨٥، وطبقات الشافعية لابن كثير ١/ ٢١٠، وكتاب (منهج علماء الحديث والسنة في أصول الدين) للدكتور مصطفى محمَّد حلمى ص ٢١٤ وما بعدها، ويرجع أيضا إلى كتاب (موقف ابن تيمية من الأشاعرة) للدكتور عبد الرحمن بن صالح المحمود ١/ ٣٣١ وما بعدها فقد أجاد فيه وأفاد.