قرائنه. كل هذا وأهل السنة المتبعون لأئمتها المتفق على إمامتهم فيها ثابتون على ما كان السلف من الاحتجاج بالنصوص وتضليل من يصرفها عن معانيها المعروفة، أو يرد الأخبار الصحيح.
ثم نشأ المتوغلون في الفلسفة كالفارابي وابن سينا، فكان مما خالفوه من العقائد الإسلامية أمر المعاد، فاحتج عليهم المتكلمون بالنصوص فغاضهم ابن سينا مغاضة شديدة، كما تراه في (مختصر الصواعق) ج ١ ص ٢٤١.
وعباراته طويلة جداً، وأنا أحاول المقصود أحاول تلخيص المقصود منها. زعم أن الشرائع إنما وردت لخطاب الجمهور، أنها لوجائتهم بذكر التوحيد والتنزيه على ما يراه الفلاسفة ومن يوافقهم من المتكلمين، قال:«لسارعوا إلى العناد أو اتفقوا على أن الإيمان المدعو إليه إيمان بمعدوم لا وجود له أصلا» . فزعم أن الحكمة اقتضت أن تجيئهم الشرائع بما يمكن تصديقهم به من التجسيم والتشبيه ونحو ذلك ليمكن قبولهم للشرائع العملية. وذكر أن التوراة كلها تجسيم وأن في نصوص القرآن ما لا يحصى من ذلك قال:«وبعضه جاء تنزيهاً مطلقاً عاماً جداً لا تخصيص ولا تفسير له» . ثم ذكر أن من النصوص ما هو صريح في التجسيم والتشبيه «ولا يقع شبهة في أنها ليست استعارية ولا مجازية ولا يراد فيها شيء غير الظاهر» . قال: «فإن كان أريد بها ذلك (يغني غير الظاهر) إضماراً (يعني أن المتكلم أضمر في نفسه إرادة غير الظاهر، وإن كان الكلام لا يحتمله) فقد رضي (المتكلم بالقرآن) بوقوع الغلط والتشبيه (يعني التجسيم ونحوه) والاعتقاد المعوج بالإيمان يظاهرها تصريحاً» . ثم ذكر أن الحال في أمور المعاد كذلك، قال:«ولم يكن سبيل للشرائع إلى الدعوة إليها والتحذير عنها إلا بالتعبير عنها بوجود من التمثيلات المقربة إلى الأفهام ... فهذا هو الكلام على تعريف من طلب أن يكون خاصاً من الناس لا عاماً أن ظاهر الشرائع غير محتج به في هذه الأبواب» .