التعمق، ثم رجع أخيراً كما يظهر من كتابه (الإبانة) إلى مذهب أصحاب الحديث، وكتابه (الإبانة) مشهور، وقد طبع مراراً، والأشعرية لا يكادون يلتفتون إليه.
وأما ابن الجويني فصح عنه انه قال في مرض موته:«لقد قرأت خمسين ألفاً في خمسين ألفاً ثم خليت أهل الإسلام بإسلامهم فيها، وعلومه الطاهرة، وركبت البحر الخضم، وغصت في الذي نهى أهل الإسلام عنها، كل ذلك في طلب الحق وكنت أهرب في سالف الدهر من التقليد، والآن قد رجعت عن الكل إلى كلمة الحق، «عليكم بدين العجائز» ، (١) فإن لم يدركني الحق بلطف بره فأموت على دين العجائز، وتختم عاقبة أمري عند الرحيل على نزهة أهل الحق، وكلمة الإخلاص: لا إله إلا الله، فالويل لأبن الجويني» وقال:«أشهدوا علي أني رجعت عن كل مقالة يخالف فيها السلف، وأني أموت على ما يموت عجائز نيسابور» . إلى غير ذلك مما جاء عنه وتجده في ترجمته من (النبلاء) للذهبي، (طبقات الشافعية) لابن السبكي وغيرها.
فتدبر كلام هذا الرجل الذي طبقت شهرته الأرض يتضح لك منه أمور:
الأول: حسن ثقته بصحة اعتقاد العجائز وبأنه مقتضٍ للنجاة.
الثاني: سقوط ثقته سقوط ثقته بما يخالف ذلك من قضايا النظر المتعمق فيه وجزمه بأن اعتقاد تلك القضايا مقتض لويل والهلاك.
الثالث: أنه مع ذلك يرى أن حاله دون حال العجائز لأنهن بقين على الفطرة وسلمن من الشك والارتياب، ولزمن الصراط، وثبتن على السبيل، فرجى لهن أن يكتب الله تعالى في قلوبه الإيمان، ويؤيدهن بروح منه، فلهذا يتمنى أن يعود إلى
(١) يشير ابن الجويني إلى أنه حديث، وقد صرح الغزالي في «الإحياء» بنسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن الصواب أنه لا أصل له عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما صرح له أئمة الحديث، نعم في معناه حديث روي عن ابن عمر، ولكنه موضوع، وقد بينت ذلك في «الأحاديث الضعيفة» رقم (٥٣ و٥٤) . وحال الجويني والغزالي في الحديث معروفة عند أهل العلم، ويأتي رأي المصنف فيهما قريباً. ن