للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن قيل: فإنه لم يستوعب الأعمال.

قلت: هذا السؤال مشترك، ولا قائل أن ما ذكر فيه من الأعمال هي من الإيمان دون

غيرها، ومثل هذا في النصوص كثير من الاقتصار على الأهم، وإما لعلم المخاطب بغيره، وإما اتكالاً على أنه سيعلمه عند الحاجة، وإما لأن في الإجمال ما يدل عليه، وكثيراً ما يقع الاختصار من بعض الرواة.

وبالجملة، فإذا صح قول الكوثري أن أبا حنيفة لا يقول إن الأعمال ليست من الإيمان مطلقاً وإنما يقول إنها ليست ركناً أصلياً وإنما الركن الأصلي العقد والكلمة، فالأمر قريب.

فلندع هذا، ولننظر فيما زعمه أن الإيمان القلبي لا يزيد ولا ينقص حتى قال ص ٦٧: «لأن الإيمان الشرعي إنما يتحقق عند تحقق الجزم المنافي لتجويز النقيض ... لا يتصور تفاوت أصلاً بين إيمان المؤمنين من جهة الجزم والتيقن، ويكون النقص عن مرتبة اليقين كفراً» .

أقول: تفاوت الإيمان القلبي ثابت نقلاً ونظراً.

أما النقل فمعروف، وقد تقدمت الإشارة إلى حديث الخروج من النار.

وأما النظر فإن الإنسان إذا قارن بين اعتقاده أن الثلاثة من حيث العددية أقل من الستة وبين اعتقاداته الدينية التي يجزم أنه موقن بها بأن له الفرق. فإن أحب الكوثري فليحكم على نفسه وعلى جمهور الناس بعدم الإيمان، وإن أحب فليثبت ما نفاه، وقد صرح النظار بأن اليقين يتفاوت قوة وضعفاً كما تراه في (المواقف) (١) وغيرها، وفي

(فتح الباري) «قال الشيخ محي الدين (٢) الأظهر المختار أن التصديق


(١) موقف ٦ مرصد ٣ مقصد ٢.
(٢) محي الدين كأنه النووي الفقيه الشافعي شارح «صحيح مسلم» رحمه الله تعالى، وليس المراد به محي الدين بن عربي الحاتمي المتصوف فذاك له مجال آخر. م ع هو النووي قطعاً. المؤلف

<<  <   >  >>