للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القريبة (١) فكان الناس يظنون أن جميع ذلك من الكرامات، والواقع أن كثيراً منه كان من آثار الرياضة وهي آثار طبيعية غريبة تحصل لكل من كاف في طبعه استعداد وتعاني الرياضة بشروطها سواء أكان مسلماً - صالحاً أو فاجراً - أم كافراً، فأما الكرامات الحقيقية فلا دخل فيها لقوى النفس. فلما وقعوا في ذلك


(١) قلت: الإخبار عما في نفس الغير ليس من الجزئيات القريبة، بل هو من خصوصيات الله تبارك وتعالى، (تعلم ما في نفسي ... ) فيستحيل أن يصل إلى هذه المرتبة من يتعاطى الرياضة من مؤمن أو كافر، ونحوه الإخبار بموت الغائب، أو بقدومه، نعم هذان الأمران الأخيران ونحوهما قد يكون من وحي الشيطان الجني الذي يسترق السمع إلى الشيطان الإنسي، أو يمكنه بحكم جبلته أن يطلع على موت فلان، قبل أن يطلع عليه البعيد عنه من بني الإنسان، فيخبر به من يريد أن يضله من الإنس كهؤلاء المرتاضين الذي يتحدث عنهم المصنف رحمه الله تعالى. ومثله قدوم الغائب، ومكان الضالة ونحو ذلك، فهذه أمور ميسورة للجن، فيطلعون بعض الإنس بما لا ضلالهم (وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً) ، وأما الإطلاع على ما في الصدور والإخبار به فليس في طوق أحد منهم إلا بإخبار الله عز وجل من شاء من عباده الذين ارتضاهم لرسالته كما قال (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه = أحداً إلا من أرتضى من رسول ... ) . نعم ليس من هذا القبيل ما يلهمه الرجل الصالح، ثم يقع كما ألهم، لأنه لوسئل عنه قبل ذاك لم يستطع الجزم به، فلأنه لم يدري أمن إلهام الرحمن هو أم من وحي الشيطان؟ بخلاف النبي (قالت من أنبأك هذا قال: نبأني العليم الخبير) . وليس منه أيضاً ما يتنبأ به الإنسان بفراسته وملاحظته الدقيقة التي لا يتنبه لها غيره، وقد وقع لي شخصياً من هذا النوع حوادث كثيرة لولا أنني كنت أبادر إلى الكشف عن أسبابها الطبيعية لظنها الناس كشفاً صوفياً! فمن ذلك أنني كنت يوماً في حلقة الدرس أنتظر أن يكتمل الجمع، إذ قلت لمن عن يميني - وهو حي يرزق - بعد قليل يدخل فلان - لشاب سميته. فلم يمضي سوى لحظات حتى دخل! فنظر ألي جليسي دهشاً كأنه يقول: أكشف؟ فقلت: لا بل هي الفراسة. ثم شرحت له سر المسألة، وذلك أن الشاب المشار إليه أعرف أن له دراجة عادية يأتي عليها إلى الدرس وأعرف أيضا أن الراكب لها إذا أراد النزول عنها أوقف تحريك رجليه إذا اقترب من =

<<  <   >  >>