للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جزم كالجزم في مثال الشارح، ثم لما فارقهم وأمر بإلقاء عصاه وانقلبت حية إذ كان أهله - وهو غائب عنهم - يجزمون في الوقت الذي انقلبت فيه حية يجزمون بمقتضى العادة أنها لم تنقلب حية. فهذا جزم كالجزم في أمثلة القادحين، ولا يخفى الفرق بين الجزمين وأنه لا يلزم من صحة الأول صحة الثاني، ولا من القدح في الثاني القدح في الأول، وإن الثاني في قصة أهل موسى مخالف للواقع، وفي أمثلة القادحين محتمل لذلك فكيف يقال أنه جزم واقع موقعه؟

دع عنك خرق العادة ويغني عنه النقص العادي الذي لم يعهد كالرجل يمسي بالمغرب ثم يصبح في المشرق فإن هذا كان من المحال العادي عند الناس، فانتقض بالطيارات فلوبقي الآن أهل جهة لم يسمعوا بخبر الطيارات لكانوا يجزمون بامتناع ما هو واقع بدون خرق عادة (١) وربما يقال لا يمتنع أن يكون مراد الشارح أن الاحتمال البعيد جداً لا ينافي الجزم، ففي مثاله يحتمل نقيض ما جزم به لاحتمال خطأ الحس، فكذلك احتمال خرق العادة.

والظاهر أن مراد المتن والشرح أنه كما أن الحس يحتمل الغلط ومع ذلك يسلّم القادحون في البديهيات أن ذلك لا يقتضي القدح في الحسيات مطلقاً، فهكذا يلزم في العاديات أن لا يقتضي احتمال الخرق القدح فيها مطلقاً.

وكأن العضد يقول في الجزم بالعادة مثل ما قاله في الجزم بالحس أن المدار على جزم العقل وهو إنما يجزم بأمور تنضم إلى الحس أو إلى العادة لا يدري ما هي ولا كيف حصلت ولا من أين جاءت. فإذا كان هذا مراده فقد تقدم في الكلام على


(١) وأعجب من هذا أن الطيارات النفاثة يبالغون الآن في تجويد صنعها وسرعة حركتها حتى يقال أنها تقطع في الساعة ٨٠٠ ميل أو أكثر، فتكون أسرع من حركة الأرض، فإذا جاء اليوم الذي تسبق الطائرة حركة الأرض وطارت من بلد بعد غروب الشمس متوجهة إلى الغرب سبقت حركة الأرض فرؤية الشمس طالعة بعد غروبها ويكون هذا من عجائب العصر. م ع
قلت: هذا ما قاله أستاذنا الشيخ عبد الرزاق حمزة رحمه الله، وقد وجدت الآن الصواريخ ذات السرعات الكبيرة (وعلم الإنسان ما لم يعلم) . زهير

<<  <   >  >>