والحق الذي لا ريب فيه أن العقل قد يجزم في الحسيات بمجرد الإحساس، وفي العاديات بمجرد العادة، وإنما يقف إذا عرض له ما يشككه، فالذي يجوز السحر إذ قال له من يثق به: إن هنا ساحراً، فأدخله عليه وناوله تفاحة فأنه لا يجزم بأنها تفاحة أثمرتها شجرة، بل يجوز أن تكون روثة - مثلاً - وأن حسه أخطأ لأجل السحر، أو أن تكون روثة انقلبت تفاحة بعمل السحر، فلا يجوز هنا بإحساس ولا عادة. ومع هذا فإن هذا الذي يجوز السحر تجده حيث لا مظنة للسحر يجزم بالإحساس والعادة كما يجزم غيره، وقد يجزم ثم تشككه فيرجع عن جزمه.
فالحق أن النفس قد لا تعرف وجه الاحتمال فتجزم، وقد تعرفه ولكنها تجحده فتجزم، وقد تعرفه وتعترف به وتستحضره ولكنها تستبعده جداً فيجزم ولا تبالي به، فاحتمال الجزم للخطأ لا محيص عنه. وسيأتي اعترافهم بذلك.
فإن قيل: فماذا يقول السلفيون؟
قلت: قد مر في الكلام على الحسيات ما فيه الكفاية ويعلم منه الجواب عنهم في شأن البديهيات ويأتي إن شاء الله تعالى لذلك مزيد.
وأما العاديات فهم يعترفون بجواز خرق العادة، وإنما يحتجون بها في مواطن:
الأول: حيث تكون من المأخذ السلفي الأول، بأن يعلم أن من شأنها أن تحمل الأميين على اعتقاد شيء في الدين، ولم يأتي الشرع بما يخالفها، ووجه الاحتجاج هنا هو تقرير الشرع، مع القطع بأنها لوكانت مختلفة لكشف الشرع عن حالها.
الثاني: حيث تكون من المأخذ السلفي الثاني كأن يتواتر أثر عن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم في الدين، ووجه الاحتجاج هنا أن الخرق إنما يكون بفعل الله عز وجل، ومن الممتنع أن يقع الخرق هنا بأن يتواتر ما هو كذب على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الدين، فإن هذا تضليل يتنزه الله عز وجل عن مثله.
فإن قيل: فقد روي أنه يظهر على يد الدجال بعض الخوارق.