للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالقوم خالفوا كثيراً من العقائد الإسلامية، ويوشك أن يكون حالهم فيما لم يصرحوا بمخالفته على نحو ما قال الغزالي، أي أنهم لم يحافظوا على تلك البقية عن إيمان ويقين، ولكن نشأوا على الإسلام واعتزوا بالانتساب إليه فكرهوا أن يقطعوا التعلق به البتة، والعلم عند الله عز وجل.

والتحقيق عن الاستقلال بالنظر محمود، ولكن الشأن في النظر، فالنظر بحسب المأخذين السلفيين مع الوقوف عند الحد الذي حده الشرع، وامتثال ما أرشد إليه وعمل به الصحابة وتابعوهم بإحسان من اتقاء الشبهات وتجنب الاختلاف في الدين وتفريطه محمود، فالاستقلال فيه محمود، والنظر المتعمق فيه مذموم، لأنه لا يكاد يثمر إلا التشكيك في الحقائق، والاختلاف في الدين وتفريقه، ويوشك أن يكون الحرص على الاستقلال بالنظر فيه من أمضى أسلحة الشيطان، فأنه قد يحصل للإنسان الإيمان واليقين بالقضايا الفطرية والواضحة من المأخذ السلفي الأول، وبما ذكر الغزالي من اجتماع قضايا كثيرة ظنية يحصل اليقين بمجموعها ومن قذف الله عز وجل في القلب، ثم يعرض له في النظر المتعمق فيه شبهة أو أكثر تخالف ذلك اليقين، وذاك الإيمان، فيتعذر عليه حلها، فيدعوه حب الاستقلال بالنظر إلى إتباعها

وترك ذاك اليقين، وذاك الإيمان متهماً نفسه لأن ثقتها ببطلان تلك الشبهة إنما هو لهواها في الإسلام، فمثله مثل القاضي يتباعد عن هواه فيظلم أخاه كما مر في المقدمة.

بل أقول: أن الاستقلال بالنظر على الحقيقة هو ترك النظر المتعمق فيه رأساً فيما يتعلق بالإلهيات، أو على الأقل ترك الاعتداد بما خالف المأخذين السلفيين منه كما يتضح لمن تدبر ما تقدم وما يأتي.

وقد أبلغ الله تبارك وتعالى في إقامة الحجة على اختلال النظر المتعمق في الإلهيات بأن يسر لبعض أكابر النظار المشهورين بالاستقلال أن يرجعوا قبيل موتهم إلى تمني الحال التي عليها عامة المسلمين، فمنهم الشيخ أبوالحسن الأشعري، وأبوا المعالي ابن الجويني الملقب إمام الحرمين، وتلميذه الغزالي، والفخر الرازي.

أما الأشعري أولاً كان معتزلياً، ثم فارق المعتزلة وخالفهم في مسائل وبقي على

<<  <   >  >>