للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يعقلون ولا يفهمون، ويسمونهم «الحشوية» وغير ذلك من الأسماء المنفردة - كما صنع ابن الجويني المدعو إمام الحرمين في رده على كتاب «الإبانة» للحافظ أبي نصر السجزي، وذلك قبل أن يرجع ابن الجويني ويتمنى الموت على دين عجائز نيسابور، وكما صنع ابن فورك في كتابه (مشكل الحديث) ، وإني والله ما آسى على ابن فورك وإنما آسى على مسحوره البيهقي الذي امتلأ من تهويلات ابن فورك وغيره رعباً فاستسلم لهم وانقاد ورائهم. (١) وكان عبد الرزاق ابن همام الصنعاتي قد أخذ عن جعفر بن سليمان الضبعي طرفاً من التشيع، فشنعوا عليه بذلك حتى قال محمد بن أبي بكر المقدمي، فقدت عبد الرزاق، ما أفسد جعفر بن سليمان غيره، وليت شعري لوكان ابن فورك والبيهقي أدركا المقدمي ما عسى كان يقول فيها. فأما ما يعترضهم من كلام السلف، فإنهم يصرحون بقلة حياء بأن تلك الأقوال تجسيم كما صنعوا فيما صح عن كبار أئمة التابعين من تفسير الصمد بأنه الذي لا جوف له وقد مر ذلك في الباب الثالث. فإذا كان أشياخهم يردون القرآن والسنة ويجهلون أئمة السلف فكيف تظنون بهم أنهم لا يخالفون السلف؟

(فإن قيل) حاصل هذا أنهم كانوا يعتمدون النظر العقلي، وعلى هذا فما أثبته العقل فهو حق لا ريب فيه، وإذا كان حقاً فلن يكون الكتاب والسنة مخالفين له، ولن تكون عقيدة السلف إلا موافقة له، لأنهم خير الأمة وأفضلها وأعلمها بالحق وأولاها به.

قلت: قد مر في الباب الأول كلمة «العقل» وقع فيها التدليس، فهناك العقل الفطري الصريح الذي لا التباس فيه، وهو الذي أعده الله تعالى ليبنى عليه الشرع والتكليف وهو الذي كان حاصلاً للأمم التي بعث الله تعالى فيها رسله وأنزل فيها كتبه، وهو الذي كان حاصلاً للصحابة ومن لعدهم من السلف، فهذا هو


(١) يعني أن البيهقي سحر بتأويلات فورك وانبهر بها فأخذته عن السير في طريق الصحابة وكبار التابعين وتابعيهم إلى السير وراء ابن فورك كما تجد كثيراً من ذلك في كتابه «الأسماء والصفات» . م ع.

<<  <   >  >>