كان يحامي عنه، ثم امرأته التي كانت تؤنسه، وتخفف عنه، ثم لم يزل البلاء يتعاهده صلى الله عليه وآله وسلم وتفصيل هذا يطول، وهذا هو سيد ولد آدم وأحبهم إلى الله عز وجل.
فتدبر هذا كله لتعلم حق العلم ما تنافس فيه ونتهالك عليه من نعيم الدنيا وجاهها ليس هو بشيء في جانب رضوان الله عز وجل والنعيم الدائم في جواره، وأن ما نفر منه من بؤس الدنيا ومكارهها ليس في جانب سخط الله عز وجل غضبه والخلود في عذاب جهنم. وفي (الصحيح) من حديث أنس قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار ثم يقال له: يا ابن آدم هل رأيت خيراً قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا يا رب، ويؤتى بأشد ويؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة فيقال له: يا أبن آدم هل رأيت بؤساً قط وهل مر بك شدة قط؟ فيقول: لا والله يا رب ما مر بي بؤس قط ولا رأيت شدة قط» .
٣- يفكر في حاله بالنظر إلى أعماله من الطاعة والمعصية، فأما المؤمن فإنه يأتي الطاعة راغباً نشيطاً لا يريد إلا وجه الله عز وجل والدار الآخرة، فإن عرضت له رغبة في الدنيا فإلى الله تعالى فيما يرجوا معونيته على السعي للآخرة، فإن كان ولا بد ففيما يغلب على ظنه أنه لا يثبطه عن السعي للآخرة، وهو على كل حال متوكل على الله راغب إليه سبحانه أن يختار له ما هو خير وأنفع، ثم يباشر الطاعة خاشعاً خاضعاً مستحضراً أن الله عز وجل يراه ويرى ما في نفسه، ويأتي بها على الوجه الذي شرعه الله عز وجل وهو مع ذلك كما قال الله تعالى:«يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ» المؤمنون: - ٦٠، فهو يخاف ويخشى أن لا تكون نيته خالصة، وذلك أن النية الصالحة قد تكون من قوي الإيمان، وقد تكون من ضعيفه الذي إنما يطيع إحتياطاً وقد لا تكون خالصة بل يمازجها رغبة في ثواب الدنيا لأجل الدنيا، أو رغبة في الآثار الطبيعية ككسر الشهوة حيث لا يشرع، وكتقوية النفس، كالذي يصوم ويقوم ليكون من أهل اللكشف فيطلع على العجائب