أقول: كأنهم في قولهم: «النطق بالشهادتين هو الإيمان» ، يشترطون أن يقع النطق من قائليه طوعاً ولا يكذبون أنفسهم فيه إذا خلا بعضهم إلى بعض، ثم يقولون: إن المنافقين الذين كانوا في عهد النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - كانوا ينطقون تقية ويكذبون أنفسهم إذا خلوا، فهذا هو النفاق، فأما من يقول طوعاً، ولا يكذب نفسه إذا خلا، فهو مؤمن، وإن كان في نفسه شاكاً مرتاباً، بناء على جحدهم اشتراط الاعتقاد في الإيمان، وأهل السنة يقولون هذا نفاق إذا شرط الإيمان عندهم الاعتقاد.
وبالجملة فلا أرى عاقلاً لقوله يقول: إن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، إلا على أحد أوجه:
الأول: أن يكون يخص لفظ الإيمان القلبي بالتصديق الذي لا يعتد بها دونه، فهو بمنزلة النصاب، فكما أن نصاب الذهب في حق الأغنياء بالذهب واحد لا يزيد ولا ينقص وإن تفاوتوا في الغنى بالذهب، فكذلك يقول هذا: إن الإيمان الذي هو نصاب التصديق لا يزد ولا ينقص وإن تفاوت الخلف في التصديق. أو قل: إنه بمنزلة زكاة الفطر، وهي صاع لا يزيد ولا ينقص، وإن كان من الناس من يعطي صاعين أو مائة أو ألفاً اوأكثر من ذلك.
الثاني: أن يكون عنده أن الإيمان قول فقط، وهذا إن فسر القول بالشهادتين، وقال: إنه لا يكفي للنجاة فهو قول الكرامية، وإن فسره بهما وقال: إنه يكفي، فهو قول غلاة المرجئة، وإن فسره بالاعتراف اللساني بربوبية الله عز وجل، وقال: إنه لا يكفي للنجاة ولجريان أحكام الإسلام فهو قريب من الأول، وإن قال إنه يكفي لذلك فهو أشد من قول غلاة المرجئة.
الثالث: أن يزعم أن الإيمكان هو القوزل والاعتقاد الذي لا يقين فوقه، ولا أرى هذا إلا قاضياً على نفسه وغالب الناس بعدم الإيمان. والله المستعان.