الأمر السادس: أن في كل مذهب قضايا يدعي صاحبه فيها البداهة، ومخالفوه ينكرونها، وهو يوجب الاشتباه ورفع الأمان، فلنعد عدة منها ... » فذكروا إحدى عشرة قضية ثم
قالوا:«وقد أجيب عنها بأن الجازم بها بديهة الوهم، وهي كاذبة، إذ تحكم بما ينتج نقائضها، قلنا: فيتوقف الجزم بها على هذا الدليل فيدور، وأيضاً فلا يحصل الجزم بما لا يتيقن أنه لا ينتج نقيضه ولا يتيقن، بل غايته عدم الوجدان» .
ولم يجب العضد عن هذا الأمر السادس ولا السيد، غير أنه قال في الجواب عن تلك الأمور كلها:«وأجيب عن ذلك بأنا لا نشتغل بالجواب عنها، لأن الأوليات مستغنية عن أن يُذَبّ عنها، وليس يتطرق إلينا شك فيها بتلك الشبه التي نعلم فاسدة قطعاً وإن لم يتيقن عندنا وجه فسادها» .
أقول لا ريب أن القدح في البديهيات بما يشمل الأوليات لا سبيل إليه لأن هناك قضايا واضحة متفق عليها، وهؤلاء القادحون لم يدعوا ما يناقضها، وإنما حاولوا التشكيك فيها بما لا يعتد به، وذل كقولنا:«الثلاثة أقل من الستة» و «الشيء أعظم من جزئه» و «الشيء لا يكون موجوداً معدوماً» و «والجسم الواحد لا يكون في مكانين في وقت واحد - بأن يكون كله في أحدهما وكله في الآخر» لكن الوثوق ببعض البديهيات لا يستلزم الوثوق بجميعها، وقد اعترف بذلك المحتجون بها فبقي الكلام معهم في هذا، فيقال له تلك القضايا المعددة في الأمر السادس وهي إحدى عشرة - وما يشابهها اعترفتم جميعاً بأنها بديهية، ثم اختلفتم في الأخذ بها، كل فرقة منكم تزعم أن ما أخذت به من تلك القضايا بديهي عقلي يقيني، وأن ماردته منها بديهي وهمي، فإن كان مرد ذلك إلى التحكم، مَنْ هَوِيَ قضية قال: إنها بديهية عقلية تفيد اليقين، ومن خالفت هواه قال: بديهية وهمية، فهذا ليس من العلم في شيء وإن كان المرد إلى الجزم، فمن أحس بأنه جازم بالقضية قال: عقلية يقينية، ومن أحس بأنه مرتاب فيها قال: وهمية، فهذا قريب من سابقه، إذ قد ثبت أن الجزم يخطئ ويغلط، وقد تقدم أدلة على ذلك،