عقلاً أن يكذب، فإما إذا لم يمتنع عقلاً أن يكذب فالمصدق له هو المقصر، فعلى هذا تكون منزلة رب العالمين عند الرازي منزلة الرجل الذي دينه الكذب، فإذا كذب على قوم فبنوا على خبره، فنالهم ضرر، فلاموه كان لغيره أن يقول لهم: هذا رجل من عادته الكذب فأنتم المقصرون إذا عملتم بخبره، فإن لم تعرفوا عادته فقد كان عليهم أن تتثبتوا! والرازي لا يرضى هذا المثل نفسه، ولا أقل أصحابه، بل لا يرضى به إنسان لنفسه «لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» النحل: ٦٠.
وبخ الله تعالى بهذا المشركين على قولهم أن له سبحانه بنات، مع كراهيتهم أن تكون لهم بنات، ولا أرى المقالة السابقة إلا أكبر من هذه، وقال تعالى في الذين قالوا أن له سبحانه ولداً:«كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً» . الكهف: ٥.
وقد اتفق المسلمون على أنه يمتنع عقلاً أن يقع من الله تعالى كذب، غاية الأمر أن أكثر الأشاعرة زعموا أن الامتناع إنما هو بواسطة إخبار الرسول به مع امتناع أن يكذب الرسول.
هذا وقد رجع الرازي ولله الحمد أن الإحتجاج بالنصوص كما تقدم في الباب الأول، وإنما اشبعت الكلام لأن كثيراً من الناس تبعوه في مقالاته، ولم يلتفتوا إلى رجوعه، كما يأتي عن العضد وغيره. والله المستعان.
[قول العضد وغيره]
كلام العضد وغيره في هذه المسألة تلخيص لكلام الرازي الذي تقدم نقل بعضه