للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكفى بالاختلاف في هذه القضايا دليلاً، وإن كان المرد إلى قوة المعارض، فمن لم يقوَ عنده معارض القضية سماها عقلية وقطع بها: ومن قوي عنده المعارض سماها وهمية فردها، فهذه كسابقيه، إذ غايته الجزم بالقضية أو الجزم بمعارضها، وقد ثبت أن الجزم يخطئ ويغلط.

وإن هناك معيار صحيح فما هو؟ قالوا: المعيار أن تعرض القضية البديهية المنظور فيها على البديهيات الأخرى، فإن وجدت فيها ما ينتج نقيض هذه القضية علمنا هذه وهمية.

قلت: هبوا أني تمسكت بقضية يقينية، فخالفني مخالف وذكر بديهية أخرى وزعم أنها عقلية يقينية، وأنها تنتج نقيض قضيتي، فقد لا أسلم أن القضية التي ذكرها عقلية يقينية، بل أحتج على أنها وهمية بإنتاجها نقيض قضيتي، وما أنتج نقيض الحق فهو باطل، وإن سلمت أن القضية عقلية فقد لا تكون من القضايا المتفق عليها بين العقلاء، وإذا لم تكن منه لم يؤمن أن تكن في نفس الأمر وهمية وتابعت صحبي على الخطأ، وإن كانت من القضايا المتفق عليها بين العقلاء أو بيني وبين صاحبي فقد لا أسلم صحة استنتاجه، إذ غايته أن تكون صحة بديهية فلعل بداهته وهمية، بدليل مناقضته لقضيتي وما ناقض الحق فهو باطل، فالمعيار الذي ذكرتم لا يفيد إلا حيث تكون القضية المعتبر بها من القضايا المتفق عليها بين العقلاء، وتكون صحة إنتاجها كذلك، وهذه فائدة ضئيلة لا تتأتى في شيء من القضايا التي اختلفتم فيها.

فإن قيل فماذا يقول السلفيون؟

قلت: يقولون: القضية المحتاج إلى التثبت فيها (١) إما غير ماسة بالدين البتة، وإما ماسة به.


(١) احتراس من القضايا الواضحة ومنها أصل الشرع إلا به. المؤلف

<<  <   >  >>