فيقال لهم: إن كان صريح بنفي الجسمية فيحتمل حاله أوجهاً:
الأول: أن يكون رجع عن ذلك وقد تقدم أن (الإبانة) آخر مصنفاته.
الثاني: أن يكون إنما ينفي الجسمية المستلزمة للمحذور - على حد قول جماعة:«جسم لا كالأجسام» .
الثالث: أن يكون يخص اسم الجسم بما يستلزم المحذور، ويرى أن ما ثبت لله عز وجل بما ذكره في عبارته السابقة من الفوقية والنزول كل ليلة إلى السماء الدنيا، والمجيء يوم القيامة، وغير ذلك لا يقتضي أن يسمى جسماً، وإن كان يستلزم ما يسميه غيره جسمية. وأيا ما كان فلندع الأشعري وننظر في أصل القضية.
احتج مثبتو الأينية مع النصوص الشرعية وإجماع السلف بأنه لا يعقل الموجود بدونها، وهذا من أجلى البديهيات وأوضح الضروريات.
أجاب المتعمقون بأن هذه بديهية وهمية، قال الغزالي في (المستصفي) ج ١ ص ٤٦: «السادس الوهميات، وذلك مثل قضاء الوهم بأن كل موجود ينبغي أن يكون مشاراً إلى جهته، فإن موجوداً لا متصلاً بالعالم، ولا منفصلاً عنه، ولا داخلاً، ولا خارجاً محال، وإن إثبات شيء مع القطع بأن الجهات الست خالية عنه محال ... ومن هذا القبيل نفرة الطبع عن قول القائل، ليس وراء العالم خلاء ولا ملأ. وهاتان قضيتان وهميتان كاذبتان:
والأولى منهما: ربما وقع لك الإنس بتكذيبها لكثرة ممارستك للأدلة العقلية الموجبة إثبات وجود ليس في جهة ... وهذه القضايا مع أنها وهمية فهي في الأنفس لا تتميز عن الأوليات القطعية ... بل يشهد به أول الفطرة كما يشهد بالأوليات العقلية» .
قال المثبوت: أما أن القضية بديهية فطرية فحق لا ريب فيه. وأما زعم أنها وهمية فباطل، فإن القضايا الوهمية من شأنها أن ينكشف حالها بالنظر انكشافاً