للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تقرباً إلى تلك الأرواح، ويقولون: أن الله رب الأرباب وآله الآلهة وقد أوضحت هذا بدلائله من الكتاب والسنة وأقوال السلف والآثار التاريخية والمقالات في كتاب (العبادة) ولله الحمد.

وعلى كل حال فتلك الكلمات أن ترجح أنها داخلة فيما يسمى كذباً فهي من أخف ذلك وأهونه ولنبين ذلك في إحداها:

دخل إبراهيم ومعه امرأته (سارة) بلداً كان ملكه جباراً، إذا سمع بامرأة جميلة أخذها فإن كان لها زوج بطش به، فلما سمع الجبار بسارة أرسل إلى إبراهيم فسأله عنها فخاف أن يقول: امرأتي، فيبطش به، وأن يقول: أجنبية عني، فيقال: فما شأنك معها؟ فقال: هي أختي، واراد الأخوة الدينية. فإطلاق أخ وأخت في الأخوة الدينية شائع ذائع، فاحتمال الخبر للمعنى الواقع قريب كما ترى، ومع ذلك فهناك قرينة من شأنها إذ تبه لها المخاطب أن توهن الظاهر، وهي أن تلك الحال يحتاج من وقع في مثلها إلى التورية والإيهام خلاف الواقع ليدفع عن نفسه الظلم، ويدفع عن مخاطبيه الوقوع في الظلم، ولا تترتب على ذاك الإيهام مفسدة، فقد يقال: إن هذه الحال إذا نظر إليها على هذا الوجه ولوحظ أن الخبر محتمل إحتمالاً قريباً لغير ظاهره صار الخبر مجملاًَ محتملاً لكل من المعنيين على السواء، فعلى هذا لا يكون كذباً. لكن قد يرد على هذا أن تلك الحال إذا لوحظت إنما تقتضي أن من وقع فيها قد يترخص في الكذب، فالاعتداد بها لا يبرئ الخبر عن إسم الكذب، ألا ترى أنه لوعلم الجبار بالواقع لكان له أن يقول لإبراهيم: لم كذبت؟

وعلى كل حال فالأحاديث أطلقت على تلك الكلمات: كذبات، فإن كانت كذلك حقيقة فقد يتعين أنها كانت قبل النبوة كما مرة، وإلا فسواء أكانت قبلها أم بعدها فالأحاديث صريحة بأنها - بالنظر لما فيها من شبه الكذب - هي مما يعد وقوعه من مثل إبراهيم عليه السلام خطيئة، فينبغي أن لا يكون وقع مثلها فضلاً عما هو أشد منه من محمد صلى الله عليه وآله وسلم لأنه مبعوث إلى الناس كافة من

<<  <   >  >>