ومنها تصديق وعد الله ووعيده وإخباره بالحساب والجنة والنار، وسائر ما يتعلق بالآخرة، وهذه الحكمة كافية لإبطال شبهة ابن سينا وموافقيه في أمر الآخرة، فإننا لوأعرضنا عن الحكم الأخرى واقتصرنا على هذه الحكمة لكفى، بأن نقول: هب أن الأمر كما زعمت من أن الناس لا يؤثر فيهم الترغيب والترهيب، إلا إذا كان بما هو من جنس ما أفوه واعتادوه في الدنيا من الأمور الجسمانية واللذات والآلام الجسمانية، فإن الحكمة إذا اقتضت أن يقضي الله عز وجل وقوع ذلك وتحقيقه لئلا يكون إخباره تعالى وإخبار رسله كذباً، فإنه سبحانه يتعالى عن ذلك.
ولنقتصر على هذا القدر على مقالة ابن سينا في إنكاره الاحتجاج بالنصوص الشرعية وننظر مقالات من بعده والله الهادي.
[قول الفخر الرازي في الاحتجاج بالنصوص الشرعية]
في (مختصر الصواعق) ج ١ ص ٢٥٢ - ٢٥٦ عبارة طويلة للفخر الرازي سأحاول تلخيصها مع شيء من الإيضاح، المطالب الثلاثة:
الأول: ما يتوقف ثبوت الشرع على ثبوته، كوجود الله وعلمه بالمعلومات كلها، وصدق الرسول، فهذا يستحيل أن يعلم بإخبار الشرع.
الثاني: ثبوت أو إنتفاء ما يقطع العقل بإمكان ثبوته وإمكان انتفائه. فهذا إذا لم يجده الإنسان من نفسه، ولا أدركه بحسه، استحال العلم به إلا من جهة الشرع.
الثالث: وجوب الواجبات، وإمكان الممكنات، واستحالة المستحيلات. فهذا يعلم من طريق العقل بلا إشكال، فأما العلم بإخبار الشارع فمشكل، لأن خبر الشارع في هذا المطلب إن وافقه عليه العقل، فالاعتماد على العقل، وخبر الشارع فضل، وإن خالفه العقل وجب تقديم العقل وتأويل الخبر في قول المحققين، لأن تقديم الخبر على العقل حكم على العقل بأنه غير موثوق به، فيلزم من هذا أن لا