الضرب الثاني: العلامات والأمارات الدالة على بعض الأمور، كأن نعلم أن القاضي مريض مرضاً خطراً ثم نسمع البكاء من بيته، ويدعى الغسالون والحفارون ويحضر العلماء والأمراء، ثم تخرج من بيت القاضي جنازة على هيأة العلماء فيتسابق أهل العلم والفضل إلى حملها، ومعها أبناء القاضي بهيئة الغم والحزن، ثم توضع للصلاة فيقدمون للإمامة أكبر أبناء القاضي، فتقدم ويقوم حيث يقوم الإمام من جنازة الرجل، ثم يذهب بها فيدفن الميت في قبره بجانب قبر والد القاضي، ثم نرى الناس يتقدمون إلى أبناء القاضي على هيأة ما جرت به العادة في التعزية - إلى غير ذلك مما يدلنا على أن القاضي مات ولولم نشاهد موته، ولم نسمع
مخبراً يخبر بموته، وهذه الأمارات قد تقوي وتكثر حتى يحصل اقطع بموت القاطي، وذلك حيث يستحيل في العادة أن يتفق اجتماع لغير موته.
فإذا فرضنا أنه عندما سمعنا البكاء من بيت القاضي خرج طبيب كان دعي قبل ساعة، فسئل فقال: مات القاضي، فهذا الخبر قد يحصل به وبتلك الأمارات القطع حتى على فرض عم الخبر.
وهذا الضرب قد يحتاج إليه الناس لوجهين:
الأول: تثبيت صدق المخبر.
الثاني: الدلالة على معنى الخبر حيث لم يكن صريحاً كما لوكان الطبيب لما سئل قال: «مات رجل كبير» . فأما الشرع فإنه غني عن تثبيت صدق أخباره، وإنما الشأن في ثبوت أه أخبر، ثم في معنى الخبر، وكلا الضربين يدخل فيما يتعلق بالعقليات، كما يدخل في غيره.
وجاري السيد الجرجاني في (شرح المواقف) المتن. ثم قال:
«وقد جزم الإمام بأنه لا يجوز التمسك بالأدلة النقلية ... »