وقد سمعت بعض الأكابر يذكر عن جد أبيه وهو من المشهورين أنه إذا كان ذكر له ما يسميه المتأخرون على التوحيد قال:«إنما هو علم التوحيل» .
أقول: وتلك المناقضات والمعارضات والوساوس بحر من الوحل لا ساحل له إلا من جهة واحدة فمن جاء من تلك الجهة فخاض في ذاك الوحل لم يزده الإمعان فيه إلا تورطاً، فالسعيد من أعانه الله عز وجل على الرجوع إلى الساحل. (١)
والمقصود هنا أن المتفلسفين لما أصلوا ذاك الأصل وهو أن ذات الله تعالى ليست منفصلة عن العالم ولا متصلة به أمعنوا في النفي كما تقدم. فأما المتكلمين الذين وافقوا على هذا الأصل فيضطربون في التفريع، يثبت أحدهم أمراً فيجئ الذي بعه فيجد أنه مضطر إلى نفيه بمقتضى الاعتراف بذاك الأصل، وهكذا.
وعلى كل حال فابن سينا نفسه معترف بأن تلك الوحدة تأباها العقول الفطرية، وهي عقول الجمهور ومنهم الصحابة والتابعون، وتقطع أن حاصلها العدم المحض، ويعترف بأن الشرائع جاءت بضد تلك الوحدة وقد مر كلامه، ويوافق عليه من يتعانى التحقيق من المتكلمين كما يأتي في مسألة الجهة الغزالي والتفتاني، وإذا كان الأمر هكذا فلا ريب أنه لا وجه لحمل قول الله عز وجل «أحد» على تلك الوحدة، فلنطلب معنى آخر.
قال بعض السلفيين أنه «الواحد في الربوبية والألوهية لا رب سواه، ولا آله إلا هو» . وهذا المعنى محتاج إلى التطبيق على السياق، وسبب النزول، وذلك ممكن بنحوما مر في «الواحد» لكن يبقى هنا سؤال وهو: لماذا جاء الاسم «الواحد» في القرآن معرفاً وجاء «أحد» غير معرف؟
وهنا معنى ثالث. في كتب اللغة أنه قال «رجل وحد لا يعرف نسبه ولا أصله» ، وعن ابن سيدة أنه يقال «رجل أحد» بهذا المعنى وفي القاموس «رجل
(١) ساحل السلامة من الفطرة وطريقة الرسل والأنبياء. م ع